الأحد، 19 أكتوبر 2008

التقاليد التربوية والعلمية في

بسم الله الرحمن الرحيم

التقاليد التربوية والعلمية في
التراث العربي

أ.نبيلة عبدالمنعم داود
رئيس مــركـز إحـيـاء الـتـراث
جامعة بغداد


التقاليد هي العادات، والآداب، والأعراف، والسنن والرسوم التي يلزم بها المنسوبين إلى المؤسسات العلمية ومنها الجامعة والتي تزين سيرتهم وأخلاقهم.
والتقاليد تنشأ ببطء وبصورة لاشعورية نتيجة لقبول أفراد المجتمع لصيغة من صيغ العمل والالتزام بها لفترة طويلة من الزمن ، ثم تصبح التقاليد من الناحية المبدئية أمرا مطلوبا وجيدا لأنها تشكل عاملا من عوامل الاستقرار بالنسبة للمجتمع ومؤسساته المختلفة <1> .
أن البحث في هذا الموضوع يحتم علينا الرجوع إلى التراث العربي في هذا المجال وبدءا من فترة ما قبل الإسلام لمعرفة إسهام العرب في بناء الصرح العلمي.
وقد كان للعرب والمسلمين اهتمام واضح بالعلم وفي وقت مبكر وفي كل ادوار حياتهم ، فكان للعلم والعالم والمتعلم موضع فريد لايشبهه شيء في تراثنا الأصيل .
تشير الدراسات إلى أن العرب في الجزيرة العربية قبل الاسلام كانوا يجلون العلم ويحترمون الحكماء حتى انهم اشترطوا فيمن يتولى رئاستهم ان يكون حكيما ، كريما ، شجاعا ، نسيبا . فضلا عما كانوا يتصفون به من صفات كالامانة ، وحفظ الجوار ، ونصرة المظلوم ، وهي اعراف ظلت متبعة حتى مجيء الاسلام ، وكانت السمة التي تميزهم . وكانت لهم معارف عامة في علوم عديدة ، فضلا عن معرفتهم بالادب والشعر .
كما تشير الدراسات الى ان اهل الجزيرة كانوا على علم بالكتابة لان مطالب الحياة ، وعملهم بالتجارة كان يقضي بتعلمهم الكتابة واستعمالها لتأمين البيع والتجارة والمراسلات <2> .
وما ان جاء الاسلام والذي كان ثورة على الواقع الجاهلي فأبقى على بعض الاعراف والعادات ومما يتناسب ويتفق مع طبيعته .
وكان القرآن الكريم معجزة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ازداد الاهتمام بالعلم، وكان القرآن الكريم يخاطب الناس بما يفهمون ويشير الى كثير مما يعرفون . وقد نزل باللغة العربية حيث قال سبحانه وتعالى : { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} .
لقد حض القرآن الكريم الناس على العلم وتعلم الكتابة ومن الظواهر الواضحة في القرآن الكريم كثرة اشاراته الى الكتابة وادواتها : القلم ، والقرطاس ، والطور ، والالواح ، والمداد ، والصحف وما الى ذلك .
وفي القرآن كلمات تدل على معرفة العرب ببعض العلوم منها : الحساب حيث ترد الفاظ تشير الى ذلك قبل العشرات ، والآحاد ، ويوم الحساب ، والموازين وغيرها. وفيه اشارات الى بعض الظواهر الفلكية ، وسير الشمس والقمر ، ولصلة ذلك بالفرائض الاسلامية كالصوم والصلاة والحج .
كما ورد في القرآن اشارات الى اساليب المعرفة وطرقها فقد حض القرآن الكريم على استعمال العقل للتفكير واثنى على ممارسيه . وقد وردت فيه تعابير مثل رأي ،وبصر ، ونظر ، وعرف .
كما ترددت كلمة العقل (48) مرة ، والفكر (19) مرة ، واللب بمعنى العقل (6) مرات ، واساليب الحوار والجدل (29) مرة . اما كلمة علم ومشتقاتها فقد وردت في (800) آية .
كما ذكر القرآن الكريم العلماء وغيرهم فاشار اليهم في العديد من السور قال تعالى : {الذين اوتوا العلم } {والراسخون في العلم } و {هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون } و { انما يخشى الله من عباده العلماء } و { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات } .
كما اشار الى الحكمة في (16) آية وقال تعالى {يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤتِ الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا} .
وفي القرآن الكريم اهتمام بالفرد والاخلاق واصلاح الفرد وتنميته لوضعه في مكانه الصحيح . واوجب على الفرد الالتزام بقواعد اخلاقية اساسية منها : الصدق والامانة ، والصبر ، وحب الخير للمجتمع وهي مبادىء اساسية للبحث العلمي السليم<3> .
بدأ التأكيد على تعلم القراءة والكتابة ايام الرسول (صلى الله عليه وسلم) حيث اولاها عناية كبيرة ، واعتبرها مسألة اساسية الى حد انه جعلها فدية للاسرى في بدر<4> .
والدعوة الى الاسلام صورة من صور التعليم وكان الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يجلس مع المسلمين يعلمهم الشرائع ويرونه وهو يطبق ، فاخذوا عنه العلم والعمل <5> .
ويؤثر عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) انه قال : " ان الله بعثني معلم ولم يبعثني معنفا " .
كانت سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) القدوة والمثل الأعلى فقد اقتدى الصحابة بسيرته وكانت اعماله سوابق يعمل بها . وبعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وسلم) بدأت مرحلة جديدة في تطور التعليم وفي وضع رسوم وتقاليد علمية .
اهتم الصحابة والتابعين بكتاب الله وتفسيره . ثم بدأ الاهتمام بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحفظه وروايته وتعليمه واصبحوا القدوة في المجتمع يؤيد هذا الحديث المروي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) انه قال : " اصحابي كالنجوم بايهم اهتديتم اقتديتم " .
كان اهتمام المسلمين منصرفا بالدرجة الاولى الى حديث الرسول (بعد القرآن الكريم ) وظهر علماء في الحديث ووضعوا الكثير من اصوله ورسومه .
وقد بدأ اهتمامهم هذا على شكل حلقات للعلم تعقد في مختلف الامصار فهناك حلقة في المدينة واخرى في مكة ، وفي اليمن والبصرة والكوفة . وهذا يدل على تطور العلم والاهتمام به <6> .
بدأت هذه الحلقات صغيرة وخاصة ثم توسعت وصارت عامة لذلك كان المكان الانسب لها هو المسجد والمسجد اول مؤسسة تعليمية اذا جاز التعبير لانه ادى الى توسيع نطاق التعليم . وكانت حلقات العلم تعقد في المسجد وقد تكون واحدة او اكثر في وقت واحد .
وحين يضيق المسجد بالناس كانت المجالس تعقد احيانا في الاسواق والطرقات. وكان لحضور هذه المجالس آداب ورسوم هي جزء من نظم تعليمية تطورت بعد ذلك عند ظهور الكتاتيب والمدارس .
كان الحديث يروى شفاها وقد ضبط علماء الحديث الروايات الشفوية ووضعوا لها قواعد لاخذ العلم وتحمله وهي : الطرق المعروفة : السماع ، والاجازة ، والرواية، والقراءة ، والكتابة ، والمناولة ، والوجادة ، والوصية<7> .
هذه الطرق هي من القواعد الاساسية في التعليم واستمرت حتى ظهور المدارس وصارت من التقاليد الاساسية فيها . بدأت في الحديث ثم انسحبت على العلوم الاخرى .
بدأ الحديث بروايات شفوية وكان اعتماد الصحابة على الحفظ ولم يكن اهتمامهم كبيرا بكتابة ما يحفظون رغم معرفتهم بالكتابة . ولكن لما انتشر الاسلام واتسعت الامصار وتفرقت الصحابة في الاقطار ومات معظمهم دعت الحاجة الى التدوين والتقييد بالكتابة .
وبدأت مرحلة جديدة في وضع نظم علمية تخص الكتابة والف العلماء العرب في ذلك العديد من الكتب في التقييد فيها : كتاب تقييد العلم للخطيب البغدادي (ت463هـ) ، وكتاب الالماع الى معرفة الرواية وتقييد السماع للقاضي عياض اليحصبي (ت544هـ) وفيهما اشارات الى فضل الكتب ومنافعها والكتابة والقلم والعناية بالكتاب وحفظه <8> .

ليست هناك تعليقات: