الأحد، 19 أكتوبر 2008

الجغرافية والطب

بسم الله الرحمن الرحيم

الجغرافية والطب
أ. نبيلة عبد المنعم داود
رئيس مركز إحياء التراث العلمي العربي
جامعـــــة بغـــداد

ان علم الجغرافية ما هو إلا حلقة اتصال بين علوم مختلفة كعلم طبقات الأرض، ومشاهد الطبيعة، وعلم الأرصاد الجوية، وعلم النبات، وعلم الاقتصاد، وان عده علما قائما بنفسه يكون ضربا من الوهم<1>.
إن أول من عرف الجغرافيا إخوان الصفا، قالوا: صورة الأرض وصفة الربع المسكون منها، وما فيه من الاقاليم السبعة، ومن البحار والجبال والبراري والأنهار والمدن<2>.
أما طاشكبري زادة فقد عرفه بأنه: علم يتعرف منه أحوال الاقاليم السبعة الواقعة في الربع المسكون من كرة الأرض وعروض البلدان الواقعة فيها وأطوالها، وكذا عدد مدنها وجبالها وبراريها وبحارها وأنهارها إلى غير ذلك من أحوال الربع المعمور.
ويتصل بها علم مسالك البلدان والأمصار، وهو علم باحث عن أحوال الطرق الواقعة بين البلاد وأنها برية أو بحرية عامرة أو غامرة سهلية أو جبلية مستقيمة أو منحرفة والعلامات المنصوبة لتلك الطرق من الجبال والتلال وأمثالها ومعرفة ما تلك المسالك من المخاوف الحيوانية أو النباتية.
وكذا علم معرفة البلد ومسافاتها، وهو علم يتعرف منه كمية مسالك الأمصار فراسخ وأميالا وأنها مسافة شهرية أو اقل أو أكثر.
ثم يتصل بها علم خواص الاقاليم وهو علم يتعرف منه ما في كل إقليم أو بلد من المنافع والمضار والعجائب والغرائب<3>.
ويقول داود بن عمر الأنطاكي، أن الجغرافية علم بأحوال الأرض من حيث تقسيمها الى الاقاليم والجبال والأنهار وما يختلف حال السكان باختلافه، ويرى أنها علم يوناني ولم ينقل له في العربية لفظ مخصوص<4>.
أما حاجي خليفة، فقال الجغرافية كلمة يونانية بمعنى صورة الأرض وهو علم يتعرف منه أحوال الاقاليم السبعة الواقعة في الربع المسكون من كرة الأرض وعروض البلدان الواقعة فيها وأطوالها وعدد مدنها وجبالها وبراريها وبحارها وأنهارها<5>.
ويبدو من هذه التعريفات وغيرها إن الجغرافية هي دراسة الأرض على أنها مسكن للانسان. ويمكن القول أنها عبارة عن دراسة البيئة الطبيعية للجنس البشري وليس بين العلوم ما يختص بدراسة هذه الناحية كعلم الجغرافية فالجيولوجي يدرس الصخور التي تتركب منها القشرة الأرضية، والعالم بالأرصاد الجوية يختص بدراسة أحوال المناخ والجو، والعالم النباتي بحياة النبات، والعالم بالحيوان يعنى بدراسة حياة الحيوان. أما الجغرافي فيحتاج إلى بعض الحقائق من كل علم بالقدر الذي يمكنه من دراسة الأنسان وحياته والدور الذي يلعبه في هذه الدنيا بشكل واضح ملموس<6>.
الجغرافي يعنى بدراسة سطح الأرض على أنها مسكن للانسان ولهذا عليه أن يحلل العوامل المختلفة التي تشكل البيئة الطبيعية ويدرس اثر كل عامل على حدة، ثم آثار كل العوامل مجتمعة في حياة الأنسان وصحته ونشاطه<7>.
يقول ياقوت، الجغرافية هي صورة الأرض يحتاجها الكل فالفقهاء يحتاجون إلى معرفة الأماكن التي فتحت عنوة أو صلحا وأمانا وقوة ولكل من ذلك حكم في الشريعة في قسمة الفيء واخذ الجزية لا يسع الفقهاء جهلها لأنها من لوازم فتيا الدين وضوابط قواعد الإسلام والمسلمين وأما أهل السير والأخبار والحديث والتواريخ والآثار فحاجتهم إلى معرفتها أمس من حاجة الرياض إلى القطار غب أخلاف الأنواء.
وأما أهل الحكمة والتفهيم والتطبيب والتنجيم فلا تقصر حاجتهم إلى معرفة عمن قدمنا فالأطباء لمعرفة أمزجة البلدان وأهوائها، والمنجم للاطلاع على معالم النجوم وأنوائها. ومن كمال المتطبب أن يتطلع إلى معرفة مزاجها وهوائها وصحة أو سقم منبتها ومائها وصارت حاجتهم إلى ضبطها ضرورية.
وأما أهل الأدب فحاجتهم اليها لأنها من ضوابط اللغوي ولوازمه وشواهد النحوي ودعائمه، ومعتمد الشاعر في تحليه جيد شعره بذكرها<8>.
والجغرافية أنواع منها الفلكية والوصفية والبحرية والتاريخية والإقليمية واللغوية<9>. ولسنا بصدد التوسع في الموضوع ولكن نتكلم بالقدر الذي يخص صلة الجغرافية بالطب والتي يمكن أن تكون فرعا جديدا أو نوعا جديدا من الجغرافية هو الجغرافية الطبية إذا جاز التعبير.
إن المصادر التي تقدم لنا مادة عن الموضوع هي المصادر الجغرافية وكتب الرحلات التي اعتمدت على المشاهدة والاستفادة من الكتب الجغرافية وان كان يصعب علينا أن نميز بين المشاهدة الفعلية وبين النقل من المؤلفات الجغرافية المكتوبة. ثم الكتب الطبية التي تعنى بصحة الأنسان والمحافظة عليها وإعادتها بالعلاج إذا فقدت.
ويضاف اليها مصادر أخرى تناولت الاقاليم وطبيعتها وعلاقة ذلك بصحة الأنسان وهي كتب الفلاحة التي تكلمت عن الاقاليم لعلاقة ذلك بالزراعة ونمو النبات وكذا بعض كتب الحيوان لعلاقة ذلك بمنشأ الحيوان ايضا، يضاف اليها الموسوعات التي تناولت فنون مختلفة قدمت من خلالها موضوعات تخص الجغرافية والطب والأدوية بأنواعها العشبية والحيوانية والمعدنية ومنها: موسوعة ابن فضل الله العمري، وموسوعة الوطواط، والنويري، والقلقشندي.
أن أول اهتمام للعرب المسلمين بالجغرافية بدأ عند رواة اللغة الذين تكلموا في البلدان والكثير من المظاهر الجغرافية والفلكية فتناولوا الأنواء الجوية والاهوية والأمطار والرياح والشمس والقمر وما إلى ذلك.
واللغة العربية غنية بالتعبيرات عما يتصل بالانسان والحياة المادية لسكان الجزيرة، كما انها غنية بما يتعلق بالارض والتضاريس والتربة ومظاهر المناخ من رياح وامطار وكثير من مظاهر الفلك وصلة ذلك بالانسان وصحته وكذا بالنبات والحيوان<10>.
كما عني القدماء من لغوي العرب بتحديد البلدان والبقاع الكثيرة الواردة في اشعار الجاهليين والاسلاميين واحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) والقوا فيها وسرعان ما دخل الميدان علماء لا يمتون الى السابقين بصلة، وعنوا بالبلدان والبقاع واتخذوا تحديدها علما قائما بذاته واطلقوا على مؤلفاتهم اسم الجغرافية<11>.
ومما يؤكد هذا ان ابن النديم ذكر في فهرسه مجموعة من كتب البلدان الفها علماء اللغة ولم يصلنا منها الا القليل ومنها:
· كتاب جبال العرب وما قيل فيها من الشعر: خلف الأحمر (ت180هــ).
· كتاب منازل العرب وحدودها واين كانت محلة كل قوم الى اين انتقل منها: ابو الوزير عمر بن مطرف (ت186هــ)<12>.
· كتاب الحنين الى الاوطان: ابو منصور محمد بن سهل بن مرزبان الكرخي<13>.
· كتاب المناهل والاعطان والحنين الى الاوطان: ابو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت360هــ)<14>.
· كتاب الارضين: الحسن بن محبوب السراد (ت224هــ)<15>.
· كتاب البلدان: ابو حنيفة الدينوري (ت282هــ)<16>.
· كتاب البلدان الكبير: هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت204هــ).
· كتاب البلدان الصغير: هشام بن محمد بن السائب الكلبي.
· كتاب الاقاليم: هشام بن محمد بن السائب الكلبي<17>.
· كتاب البلدان: الجاحظ (ت255هــ).
وكتب اخرى كثيرة ذكرها ابن النديم واشارت اليها كتب الفهارس الاخرى ثم جاءت مرحلة تم فيها تأليف كتب جغرافية مفصلة ولا مجال لتعدادها هنا ولعل من اهمها والذي بلغ القمة هو كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي والذي كان له منهجه الخاص في ترتيبه وقد بين ذلك في مقدمة كتابه<18>.
تأثر ياقوت باللغويين في ترتيب الاسماء وضبطها وبيان العربي منها ومعنى الاعجمي، وفي تحديد ابعاد الاماكن بما جاورها من البقاع المشهورة والاستشهاد بالشعر على الضبط والتحديد وتأثر بالجغرافيين في ابانة اقاليم المواضع وخطوط طولها وعرضها وبالفلكيين في الكشف عن طالع كل منها تبعا للكوكب المستولي عليه، ويأخذ من التاريخ تاريخ المدن والمنسوبين اليها وفتح المسلمين لها ويستمد من المأثورات الشعبية كثيرا من القصص والاخبار المتعلقة ببناء هذه المدن وخصائصها وعجائبها<19>. كما الف رواة اللغة وعلماء العربية كتبا في الانواء والازمنة والمطر والرياح والسحاب والشمس والقمر، وقد عدد ابن النديم (20) كتابا باسم الانواء منها:

· كتاب الانواء للنضر بن شميل (ت204هــ)<20>.
· كتاب الانواء لابي محمد عبد الله بن يحيى بن كناسة (ت207هــ)<21>.
· كتاب الانواء لابن خرداذبة (ت300هــ)<22>.
· كتاب الانواء لحمد بن خلف بن وكيع (ت285هــ)<23>.
كما الفوا كتب اخرى في مواضيع متفرقة منهـــا:
· كتاب الرياح والهواء والنار لابن السراج من شيوخ المبرد.
· كتاب الازمنة لابن درستوية (ت347هــ).
· كتاب الصيف والشتاء للسجستاني (ت255هــ).
· كتاب علة انواع السنة وعلة الرعد والبرق والرياح والصواعق وعلة البرد المسمى برد العجوزة للكندي (ت260هــ)<24>.
· كتاب الرياح لابن قتيبة الدينوري (ت276هــ) ويقع في (31) بابا اما كتابه الانواء فيعد من اقدم واوسع الكتب، وقد صرح في مقدمة كتابه بأن الغرض منه الاقتصار على ما تعرف العرب في ذلك وتستعمله دون ما يدعيه المنسوبون الى الفلسفة من الاعاجم ودون ما يدعيه اصحاب الحساب فأني رأيت علم العرب بها هو العلم الظاهر للعيان الصادق عند الامتحان النافع لنازل البر وراكب البحر وابن السبيل<25>.
وقد فقد الكثير من هذه الكتب ولم يصلنا منها الا القليل الا ان الفضل يعود لاصحاب المعاجم لحفظ نصوص كثير من هذه الكتب.
ان معرفة العرب الواسعة بعلم الانواء دعت صاعد الاندلسي الى القول : ان ابرز مساهمة للعرب هو ما كان لهم من معرفة باوقات ومطالع النجوم والانواء والرياح والامطار وحسب ما ادركوه بفرط العناية وطول التجربة لاحتياجهم الى معرفة ذلك في اسباب المعيشة لا على طريق تعلم الحقائق ولا على سبيل التدرب في العلوم<26>.
وهكذا استمر علماء اللغة في التوسع في المواضيع التي تخص المفردات الجغرافية ومظاهرها وتوسعت المعلومات بمرور الزمن الا انها ظلت ضمن المفردة اللغوية واشتقاقها الا ان اهميتها كبيرة وتدل على معرفة علمية ودقيقة لايمكن الاستغناء عنها . هذه المادة استفاد منها الجغرافيون الكبار وضمنوها مؤلفاتهم التي تناولت مواضيع متعددة ومنها علاقة الجغرافية بالطب حيث قدمت تلك الكتب مادة عن الموضوع في وصفها البلدان والحالة الصحية فيها وفي تقسيمها العالم الى اقاليم لكل منها طبيعته وخصائصه التي يتاثر بها الانسان . فقدمت مادة للاطباء تساعدهم في علاج المرضى لان الطبيب على حد قول داود الانطاكي اذا علم حال الاقليم وما خص به اهله من الطوارئ سهل عليه علاجهم، ومعرفة الفصول عند الطبيب هي اوقات التغير من حاله الى غيرها في الزمان والهواء وذلك بحسب اوضاع البلد الواحد<27>.
اجمعت كل المصادر الجغرافية ان الارض تنقسم الى سبعة اقاليم وبينت حدود كل اقليم وما هي المدن التي تقع ضمنه وطبيعة مناخه واثر ذلك على تكوين الانسان وصحته ونشاطه.
فابن رسته يقول ان الاقاليم سبعة ويحدد كل اقليم والمدن التي تقع ضمنه ويقول ماراءها فارض مجهوله لم يصل اليها احد فلا يعلم ما فيها من نبات وحيوان، ولكنه يقول وقد نعلم اضطرارا انه غير ممكن ان يكون في المطالع التي يفرط حرها او بردها حيوان او نبات<28>.
ويقول ايضا: كل المواضع والبلدان تختلف حالاتها وحالات اهلها وما يحدث فيها انما يكون ذلك على قدر قرب الشمس منها، وبعدها منهم ومن اجل ذلك ان الترك لبعدهم عن مدار الشمس عند صعودها وهبوطها كثرت الثلوج فيهم وغلبت الرطوبة والبرودة على اراضيهم فاسترخت لذلك اجسادهم وغلظت وصارت شعورهم سبطة والوانهم بيضاء حمرا وغلب على طباعهم البرد وذلك لبرد اهويتهم فان المزاج البارد يولد لحما كثيرا. اما حمرة الوانهم فان البرد يجمع الحرارة ويظهرها حتى ثرى ويستدل على ذلك بما يرى في القوم الذين في ابدانهم لحما كثير والوانهم بيض اذا اصابهم البرد احمر وجوههم وشفاههم واصابعهم وارجلهم لان الحر والدم الذي يكون فيه منتشرا يجمعه البرد ومن اخلاق هذه الناحية الجفاء وقطيعة الرحم وقلة اليقين<29>.
اما البلاد التي تكون الشمس على سمت رؤسهم فتخشن اهويتهم وتحرقهم وتكثر الحرارة فيهم واليبس فيهم فلهذه العلة صارت الوانهم سوداء وشعورهم قططة وابدانهم يابسة نحيفة وطباعهم حارة وكذلك دوابهم واشجارهم ومن اخلاق اهل هذه الناحية الجفاء والذكاء<30>.
ويذكر ابن رسته ان القوم التي لاتبتعد الشمس عن سمت رؤسهم ولاتقرب منهم مثل بابل ونحوه من البلدان ولكن ممرها معتدل عليهم فان هوائهم حسن التمزيج وموضعهم معتدل ليس فيه حر شديد ولابرد شديد والوانهم وابدانهم وطباعهم معتدلة وعقولهم واخلاقهم حسنة وقد كثر فيهم العلم والذكاء<31>.
وهكذا فالاجسام والصور والالوان والعلوم والاخلاق متباينة مواضعهم من مدار الشمس ولاختلاف ازمان السنة وتغيرها عليهم صار لكل موضع خاصية ليست لغيرها وطبيعة في اختلاف صور الناس وما يكون فيها من الحيوانات والنبات والمعادن والحر والبرد والمياه والعيون والسنن والدين والاخلاق وسائر الاشياء التي ليست لغيرها من المدن.
اما الحسن بن احمد بن يعقوب الهمداني فقد اشارة الى نفس الموضوع وخصص بابا سماه في طبائع اهل العمران من الارض على الجملة وقد ذكر تاثير الشمس على الاقوام فذكر الحبش وصفاتهم وابدانهم سود وشعورهم سوداء جعدة و وجوههم قحلة وجثثهم قصيفة وطباعهم حارة وخلاقهم في اكثر الامر وحشية لدوام الحر في مسكنهم واتصاله بهم وذلك لمرور الشمس على سمت رؤسهم<32>.
ثم يعطي مواصفات القوم الذي تبعد الشمس عن سمت رؤسهم يغلب عليهم البرد ويصل اليهم من الرطوبة شيء كثير ولم تكن هناك حرارة تنشفها صارت الوانهم بيضاء وشعورهم سبطة وابدانهم عظيمة وطباعهم مائلة الى البرد واخلاقهم وحشية لدوام البرد في مواضع مساكنهم واتصاله كلما وجد فيهم فهو موجود في دوابهم وثمارهم من العظم والقوة واختلاف التاليف<33>.
اما الذين يسكنون الوسط من الاقاليم الذين لاتصل الشمس الى سمت رؤوسهم ولم يكن بعدها عنهم اوقات انتصاف النهار بعدا كثيرا فمزاج هوائهم معتدلا لا يعرض له تغير كثير من الحر والبرد لذلك صارت الوانهم متوسطة ومقادير ابدانهم معتدلة وطباعهم حسنة المزاج ومساكنهم متصلة واخلاقهم انيسة<34>.
واشارت كتب المسالك والممالك الى هذه الحقائق دون ان تقسم العالم الى اقاليم بل الى مسالك وسكك وذكرت مواصفات هذه الممالك وطبيعتها واثر تلك الطبيعة على صحة الانسان كما فعل ابو القاسم عبيد الله بن عبد الله المعروف بأبن خرداذبة (ت300هــ).
أما أبو إسحاق الاصطخري (ت346هـ) فرغم انه سمى كتابه الأقاليم ألا انه لم يقسمه كما فعل من سبقه ومن جاء بعده بل ذكرها كمسالك للطرق بين البلدان وإشارة إلى تأثيراتها على جسم الأنسان وشكله وكذا النبات والحيوان.
وذكر المؤرخ و الجغرافي، أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت346هـ) في كتابه أو تاريخه مروج الذهب ومعادن الجوهر بابا لذكر الأرض والبحار ومبادئ الأنهار والجبال والأقاليم السبعة وما والاها من الكواكب. إشارة إلى الأقاليم بشكل مختصر جدا فقال:
الاقليم الأول ارض بابل، والثاني الهند والسند والسودان، والثالث ومكة والمدينة واليمن، والرابع مصر وافريقية، والخامس الشام والروم، والسادس الترك والخزر و الديلم، والسابع الديبل والصين ولم يذكر طبيعة كل إقليم ولم يفصل في مدنه<35>.
ولكنه خصص أبوابا أخرى هي: ذكر أرباع العالم والطبائع الأربع وإشار ايضاً إلى علة عدم سكن بعض الأرض لعلتين إحداهما إفراط الحر وإحراق الشمس، والعلة الأخرى بعد الشمس عن الأقاليم فزاد إفراط البرد في الجو حتى أزال حسن الاعتدال فصارت البلاد قاعاً صفصفا من الحيوان والنبات<36>.
وإشارة المسعودي إلى أجناس الأجسام واثر قرب الشمس وبعدها من سمت رؤوسهم فذكر علة أشكال السودان والترك والصقالية وعلة البيضان بشكل مختصر وهو لا يختلف عما مر بنا سابقا ويبدو أن للمسعودي كتبا أخرى في هذا الموضوع لذلك أشار إليه في كتابه هذا بشكل مختصر<37> .
ثم يعود إلى ذكر أرباع العالم والطبائع ويعتمد في ذلك على الأطباء وبشكل خاص على ابقراط . فيقول: زعم جماعة ممن تقدم وتأخر من الأطباء ومصنفي الكتب في الطبيعيات أن للطعام ثلاث انهضامات، أما الأول فهي المعدة فإنها تهضم الطعام فتأخذ قوته فيصير مثل ماء الكشك ثم تدفعه إلى الكبد ثم يدفعه الكبد في العروق إلى جميع الجسد كاندفاع الماء في النهر إلى السواقي فتهضمه أعضاء الجسد التالية فتصيره إلى شبهها للحم لحما والشحم شحما وكذلك العروق والعصب وما سوى ذلك وان اقتارها إذا استوت استوت أقدار القوى وإذا استوت القوى استوت الجسد واعتدل ويصح بأذن الله تعالى .
ويقول: أن الزمان أربعة فصول الصيف يقوي المرة الصفراء ويكثر اهتياجها.
والخريف يقوي السوداء.
والشتاء يقوي البلغم.
والربيع يقوي الدم.
ويقسم عمر الأنسان أربعة أقسام الصبا والشباب والكهولة والشيخوخة.
كما أن البلدان تنقسم اربعة أقسام المشرق وطبيعة الحرارة والرطوبة وفيه يقوي الدم.
والجنوب وطبيعته البرودة واليبس وفيه تقوى المرة السوداء.
والغرب طبيعة البرودة والرطوبة وفيه يقوى البلغم والتيمن وطبيعته الحرارة واليبس<38> .
ويقول ينبغي أن يكون كل شيء في هذا العالم مقدراً على سبعة أجزاء فالنجوم سبعة والأقاليم سبعة والأيام سبعة وأسنان الأنسان سبعة: أولها طفل ثم صبي آلى اربعة عشر سنة ثم غلام (21) سنة ثم الشباب مادام يشب ويقبل الزيادة إلى (35) سنة ثم كهل إلى الأربعين ثم شيخ إلى (47) سنة ثم هرم إلى أخر العمر<39>.
ثم يشير إلى الهواء وأثره في الأنسان والحيوان وان تغير حالات الهواء يغير حالات البشر مرة إلى الغضب وأخرى إلى السكون وثالثة إلى الهم والسرور وغير ذلك وإذا استوت حالات الهواء استوت حالات البشر.
وان قوى النفس تابعة لمزاجات الأبدان، ومزاجات الأبدان تابعة لتصرف الهواء. فإذا تغير الهواء تغير بتغيره كل شيء فمن تقدم وعرف أحوال الأزمنة وتغيرها والدلائل التي فيها عرف السبب الأعظم من أسباب العلم وتقدم في حفظ صحة الأبدان.
ثم يبين تأثير الرياح على الأجسام فالجنوب ترخي الأبدان والعصب وتورث الكسل وتحدث ثقلا في السماع وغشاوة في البصر أما الشمال فتصلب الأبدان وتصح الأدمغة وتحسن اللون وتصفي الحواس غير إنها تحرك السعال ووجع الصدر<40>.
أما كتاب التنبيه والأشراف فيقدم معلومات مشابهة لما ذكره في مروج الذهب ويتكلم عن الفصول والرياح وتأثيراتها على الأنسان والنبات والحيوان ولكن بشكل مختصر ويعطي أمثلة على تأثير الرياح ويركز على مصر والعراق<41>.
ثم يخصص موضوعا لذكر الأرض وشكلها ويتكلم عن أرباع العالم ويصف سكان كل ربع وهو في وصفهم لا يختلف عما ذكره في مروج الذهب وعند من سبقه ولكن بشكل مختصر<42>.
ولعل اختصار المسعودي لهذه المعلومات وغيرها يعود إلى انه استوفى الكلام عنها في كتبه المختلفة التي لم تصلنا ومنها الكتاب الذي يخص موضوع البحث وهو كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف. فهو ما أن يبدأ بحديث عن موضوع ما ألا يختصره ويقول نكتفي بهذا القدر لانا استوفينا الكلام عنه في كتبنا ويذكر اسم الكتاب الخاص بالموضوع.
وتناول أبو بكر احمد بن محمد الهمداني المعروف بأبن الفقيه (ت365هــ) في كتابه مختصر البلدان الأقاليم السبعة وذكرها بشكل مختصر وذكر خصائص بعضها واغفل الآخر.
تكلم عن الاقليم الأول، وقال سكانه سود قباح الوجوه عراة كالسباع وأعمارهم طويلة ودوابهم وطيورهم أعظم من عامة البهائم والطير وهناك رقى وعقاقير وأحجار فيها شفاء ومنافع طبيعية. ثم اكتفى بتحديد بقية الأقاليم وما يوجد فيها من عقاقير لم يذكر ما هي<43>.
وبدأ ياقوت بن عبد الله الحموي (ت626هــ) كتابه معجم البلدان بالكلام على الأقاليم السبعة وذكر خطوط الطول والعرض والمدن الداخلة في كل إقليم والبروج الخاصة به، ولا يذكر خصائص كل إقليم بل يكتفي بالتحديد ويذكر خصائص البلدان في موضعها كما وردت على حسب ترتيب معجمه<44>.
وأشار عبد الله محمد بن أبي بكر الزهري، أبو عبد الله (ت أواسط ق6هــ) فقد ذكر الأقاليم بشكل مختصر جدا واكتفى بذكر المدن الواقعة فيها فقط دون ان يذكر خصائصها<45>.
وتناول زكريا بن محمد بن محمود القزويني (ت682هــ) موضوع الأقاليم بأسلوب يخالف من سبعة حيث ذكر صفات الأقاليم وخصائصها وما له علاقة بصحة الأنسان بشكل عام في المقدمة الثانية من كتابه التي سماها في خواص البلاد فقال: الأرض شرق وغرب وجنوب وشمال فما تناهى في التشريق مكروه لفرط حرارته وشدة إحراقه فأن الحيوان بها والنبات لا ينبت. وما تناهى في الشمال مكروه لما فيه من البرد الشديد الذي لا يعيش الحيوان معه وكذلك ما تناهى في الجنوب مكروه لفرط الحرارة والذي يصلح للسكنى من الأرض أوساط الاقليم الثالث والرابع والخامس.
ويتكلم عن صفات المساكن الحارة فهو موسعة للمسام مرخية للقوى محللة للروح أبدان سكانها متخلخلة ضعيفة وقواهم ضعيفة لضعف هضمهم.
والمساكن الباردة مصلبة للبدن مسددة للمسام مقوية للحرارة الغريزية. والمساكن الرطبة سكانها موصوفون بالسحنة الجيدة ولين الجلود والاسترخاء وكلال القوى. ومثلها المساكن الاجامية والمساكن اليابسة تسدد المسام وتورث النحول، وأدمغة أهلها يابسة لكن قواهم حادة<46>.
وخصص القزويني المقدمة الثالثة في أقاليم الأرض وذكر طبيعتها ومناخها والمدن التي تقع ضمن كل إقليم وخصائصه وعلاقته بحياة الأنسان وسوف نشير إليها في مواضعها<47>
ومن المصادر التي تناولت الأقاليم غير كتب الجغرافية، كتب الفلاحة وسنشير الى نماذج منهـــــا:
كتاب الفلاحة لابن بصال أشار إلى الاقاليم في الباب الثامن من كتابه الخاص بتركيب الاشجار ذكر الاقاليم السبعة واهويتها وطبائعها وأشار إلى نفس الخصائص التي أشار اليها الجغرافيون إلا انه ركز على ما يخص الزراعة وقال: ومما يستعان به على علم التركيب معرفة الاقاليم السبعة واهويتها وبعدها من الشمس وقربها. فلما كان الاقليم الاول مخصوص بالحرارة واليبوسة بقرب الشمس منه لا يجود فيه من الشجر ألا ما كثر دسمه وقويت رطوبته مثل شجر اللبان والفلفل.
ثم يورد بقية الاقاليم وما ينبت فيها من الشجر وبعض العقاقير<48> وممن ذكر الاقاليم ايضا الطغنري الاشبيلي في كتابه زهرة البستان ونزهة الأذهان وقال إن الاقاليم المسكونة سبعة مقسومة على الكواكب السبعة وذكر خصائص الاقاليم وطبيعتها وهو لا يختلف عن وصف الجغرافيين.
ثم ذكر فصلا في مشابهة الأرض للانسان يقول...... ان كبدها ما كان فيه من الطين الأحمر ودمها ما كان فيه من المغرة وطحالها ما كان فيه من الطين الأسود واللحمات، ومرارتها ما كان فيها من الزرانيخ والكباريت، ومفاصلها ما كان فيها من الجبال، وإضلاعها وعظامها ما فيها من الرخام، ورئتها ما كان فيه من الطَّفل**، وأمعاءها ما كان فيها من الأنهار العظام، وعروقها ما كان فيها من الميازب والسواقي، ونفسها ما كان فيها من الأملاح اللطيفة، وروحها ما كان فيها من المعادن الجوهرية من الذهب والفضة ودماغها ما كان فيها من الجص والجير، وشعرها ما كان قيها من الشعاب، ووجها ما كان فيها من الرياض والأزهار والنبات الحسن<49>.
فهو حين يتناول الاقاليم يهمه تأثيرها على الزراعة ونمو النبات وتناولت كتب الحيوان موضوع الاقاليم وتأثيراتها على نمو الحيوان وكل ما يتعلق به. ومن أمثلة ذلك ما ذكره شرف الزمان طاهر المروزي في الكلام عن الاقاليم وخصائصها<50>.
وكذلك تناول الموضوع زكريا القزويني فاشار إلى الاقاليم ولكن بشكل موجز جدا واكتفى بتعدادها وحدودها وتأثير الاهوية على الحيوان وخواص الشمس وتأثيرها في القرب والبعد وهي نفس الأوصاف التي مرت بنا في مؤلفات الجغرافيين<51>.
وفي العصر المملوكي ظهر نمط جديد في التأليف هو فن الموسوعات التي جمعت الثقافة العربية الإسلامية بأطر مختلفة. فمحمد بن إبراهيم الوطواط يمثل في كتابه مباهج الفكر ومناهج العبر إحدى موسوعات العلوم الطبيعية والجغرافية ولكن بأسلوب أدبي موضح بالشواهد الشعرية وتضمن اربعة فنون: الفلك والأجرام السماوية، الجغرافية، الحيوان، النبات<52>.
أما النويري فجمع موسوعته نهاية الأرب في فنون الأدب فنون مختلفة في إطار أدبي. وجمعها ابن منظور في لسان العرب بإطار لغوي، ثم استفاد القلقشندي من كل هولاء وقدم موسوعته صبح الأعشى في صناعة الانشا بإطار ديواني<53>.
وقد وصف الوطواط الاقاليم وحدودها وتأثيرها على الأنسان كما بين تأثير المساكن على ساكنيها وتأثيرها في الخلق والأخلاق يقول: من سكن الجبال الشامخة ومر عليه في مسكنه الأزمان الأربعة واغتدى بالاجبان والألبان وسائر ما يعمل من اللبن واكل ما يصاد من الجبال وما ينبت فيها من الجوز والبلوط كان الاغلب على اهله الشقرة وسواد الشعر وشدة الابدان وعبلها. وان كان منهم من ثبت لازمان السنة كان فيهم ذلك اظهر، وان كانوا ممن تحرك بين يدي الزمان كانوا اشبه باهل الاعتدال والكرد وهولاء كلهم حارون بالحرارة الطبيعية<54>.
اما ابن منظور محمد بن مكرم الافريقي فقد تناول الاقليم ومعناه لغويا كما اشار الى خصائص بعض البلاد وبيئتها الصحية<55>.
وقدم شهاب الدين احمد بن عبد الوهاب النويري في موسوعته نهاية الارب في فنون الادب مادة عن الاقاليم وخصائصها معتمدا في وصفه لها على مؤلفات الجغرافية التي مرت بنا<56>.
كما اشار الى الفصول الاربعة وتاثيراتها على الانسان وصحته وهي تشابه ما قدمه كل من المسعودي والقزويني<57>.
اما احمد بن يحيى بن فضل الله العمري فقد قدم مادة واسعة عن الاقاليم وخصائص البلدان وطبيعتها وتاثير ذلك على صحة الانسان في موسوعته مالك الابصار في ممالك الامصار وهي جغرافية في اكثرها وتقع في (27) مجلدا . وقد عاصر ابن فضل الله كلا من النويري وابن منظور .
ان المواد المتنوعة التي قدمها ابن فضل في كتابه تدل على سعة اطلاع وتاثر بعصره الذي يصح ان نسميه عصر الموسوعات ولم نشر الى هذه النصوص لانه لاجديد فيها فهي شبيهه بما تقدم وانها تمثل المعرفة العلمية المتراكمة<58>.
كما تكلم ابو العباس احمد بن علي القلقشندي في موسوعته صبح الاعشى في صناعة الانشاء على الاقاليم السبعة ثم قسم كل مملكة الى اقاليم متعددة وسمى السبعة الاقاليم العرفيه<59>.
وقدم القلقشندي مادة واسعة لانه استفاد من كل الموسوعات التي سبقته وكان امينا في الاشارة اليها<60>.
وقد اكثرت كتب الجغرافية في ذكر ذكر خصائص البلدان الطبيعية وتوسعت في بعضها وعلاقتها بصحة الانسان وهي كثيرة جدا لا يتسع المجال لذكرها وسنكتفي ببعض الامثلة عن ذلك.
وصفت كتب الجغرافية الاقاليم ومواقعها ومناخها وتاثير ذلك على سكانها وصحتهم واشارت في بعض الاحيان الى وصف الاطباء لها وبعض النصائح الطبية.
كما قدمت كتب الجغرافية معلومات موجزة ومفصلة احيانا عن الادوية والعقاقير بانواعها العشبية والمعدنية والحيوانية واشارت الى استخدامها كعلاج لبعض الامراض.
هذه المعلومات التي قدمتها المصادر الجغرافية والمصادر ذات الصلة ضرورية للاطباء لتساعدهم في معالجة المرظى لان معرفة طبيعة الاقليم من قبل الطبيب تساعده في العلاج كما اشار الى ذلك الانطاكي في تذكرته.
وقبل ان نعطي بعض الامثلة لابد ان نشير الى كتب الانواء وعلاقتها بموضوع الصحة ونشير الى كتابين هما:
كتاب الانواء في مواسم العرب لمحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الذي اشار فيه الى الرياح ومهابها وخصص بابا لافعال الرياح وتاثيراتها كما اشارة الى الفصول الاربعة وخصائصها<61>.
ثم ذكر ابن عاصم في كتاب الانواء والازمنة ومعرفة اعيان الكواكب وهو لايختلف عما ذكره ابن قتيبة في باب الرياح ووصفها وتاثيرها<62>.
ومن الامثلة التي اشارت اليها كتب الجغرافية ما ذكره ابن رسته في وصف اصفهان قال: اما هواها فهواء قد اجمع على طيبة كل من وردها من الحكماء والفلاسفة والاطباء.
ثم يشير الى مافيها من المعادن والعقاقير التي تنفع في العلاج وكذلك الاعشاب ففيها السكبينج من قرية تسمى مورجة خرت وعليه تعتمد الاطباء ويدخلونها في كبار الادوية.
وبها حمتان لايستنفع بها احد وقد شبكته الرياح، وبه مكة او بتور الا اعقب الصحة<63>.
ويذكر ابن خرداذبة بعض العقاقير التي تجلب من الهند مثل الكافور والجوزبوا والقرنفل والقاقلة والكبابة وغيرها<64>.
وحين يتكلم عن عجائب البلدان يقول: ومن اقام بقصبة الاهواز حولا فتفقد عقله وجده ناقصا ولا يوجد بها احد له وجنة حمراء والحمى بها دائمة. وذكر الجاحظ ان عدة من قوابل الاهواز خبرنه انهن ربما قبلن المولود فيجدنه محموما.
ويذكر ان من دخل بلاد الزنج فلابد من ان يجرب ومن اطال الصوم بالمصيصة في الصيف هاج به المرار الاسود وربما جن. ومن سكن البحرين عظم طحاله، قال الشاعر:

ومن يسكن البحرين يعظم طحاله
ويحسد بما في بطنه وهو جائع<65>

ويخصص الهمداني بابا لنبات اليمن يذكر ما فيها من الحشائش والزهور، ويقول وفيها اكثر حشائش العقار ولكن اهلها البدوية لا يعرفونها وانما يعرفها الحكيم من الناس من اهل صناعة الطب<66>.
ويؤكد هذا في موضع آخر ويقول ومن عجائب اليمن ان اكثر زروعها اعقار<67>. ويذكر عدة عقاقير بنجران ومنها وهو نبات يسمى القَصَاص وهو حالق للبواسير<68>.
اما المسعودي فاشار الى عدة امور بدأها من التاريخ القديم ذكر امور طبية ففي حديثه عن ملوك الفرس اشار الى اول ملوكهم وهو كيومرث وذكر انه اول من امر السكوت عند الطعام لتأخذ الطبيعة بقسطها فيصلح البدن بما يرد اليه من الغذاء وتسكن النفس عند ذلك فتدبر كل عضو من الاعضاء تدبيرا يؤدي الى ما فيه صلاحه من اخذ صفو الغذاء فيكون الذي يرد الى الكبد وغيره من الاعضاء القابلة للغذاء ما يناسبها وما فيه صلاحها. فأن الانسان متى شغل عن طعامه بضرب من الضروب انصرف قسط من التدبير الى حيث انصباب الهمة ووقوع الاشتراك فاضر ذلك بالنفس الحيوانية والقوى الانسانية<69>.
وفي موضوع انواع الطعام يقول هي (8) اولها العذب والملح والدسم والحلو والمر والقابض والحريف ومنهم من قال (7) او ستة او اكثر ثم يفصل الكلام في قوى المياه وما قيل فيها:
يقول: الماء العذب مغذ وان كان سخنا وانه ينقي الجسد وان استعمل اكثر مما يحتاج اليه فأنه يرخي الاعضاء ويضعفها والماء البارد يشد الاعضاء ويقطع العطش والزيادة منه تخدر الجسد وتميته. والماء الاجاج ينفع من سدد الكبد والطحال.
والماء الكبريتي ينفع الجراح والقروح العتيقة والحكة وما الحديد نافع من الاسترخاء في الاحشاء وما بطن من الاوعية وماء الجص يشنج المعدة ويقبضها ويكرشها ثم يخلص الى ان اصح المياه للاجساد الماء الابيض البراق الذي يخرج من جبال الطين من مشرق الشمس نحو مغربها<70>.
ويكتفي بهذا ويقطع الكلام ويقول: "وليس كتابنا هذا موضعا له" فأنه جغرافي ولكنه تكلم في الطب مما يدل على صلة الجغرافية في الطب عند اكثر الجغرافيين كما مر بنا.
ويذكر رسالة لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بعد فتح بلاد الشام والطراق انه بعث الى حكيم من حكماء العصر يسأله عن طبيعة البلدان فكان جواب الحكيم: ان الله تعالى قسم الارض اقساما شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. فما تناهى في التشريق فهو مكروه لاحتراقه وناريته وحدته. وما تناهى مغربا وشمالا اضر ببرده وقره وثلوجه وآفاته بالاجسام فاورثها الالام وما اتصل بالجنوب احرق بناريته وما اتصل به من الحيوان..... لذلك صار المسكون من الارض جزءا يسيرا ناسب الاعتدال. ثم يصف كل بلد على حد طبيعته واثرها على سكانه:
قالشام سحب وآكام وريح وغمام ترطب الاجسام وتبلد الاحلام وتصفي الالوان. ومصر هواءها راكد وحرها زائد وشرها وارد تكدر الالوان وتجنب الفطن وتكثر الاحن.
والحجاز هواؤه حرور وليله سمور ينحف الاجسام ويخفف الادمغة، والعراق منار الشرق وسرة الارض وقلبها وعنده وقف الاعتدال فصفت امزجة اهله ولطفت اذهانهم واحتدت خواطرهم.....
اما الجبال فتخشن الاجسام وتغلظها وتبلد الافهام وتقطعها لما هي عليه من غلظ التربة ومتانة الهواء وتكاثفه واختلاف مهابه وسوء متصرفاته.
ثم يتوصل بعد ذلك الى ان الاخلاق والصور تناسب البلد وتحاذيه وتقاربه وتوافقه وتضاهيه وكل بلد اعتدل هواؤه وخف ماؤه ولطف غذاؤه كانت صور اهله وخلائقهم تناسب البلد وتحاذيه، وكل بلد يزول عن الاعتدال انتسب اهله الى سوء الحال<71>.
وخصص ابن الفقيه الهمداني في مختصر البلدان بابا في مدح البناء يتفق فيه مع ما اورده الاطباء فيقول:
كل مدينة موضوعة في جهة المشرق هي اشد اعتدالا واقل اسقاما لأن الشمس تصفي المياه التي تجري فيها، والمدن الموضوعة بازاء الغرب يكثر امراض اهلها لأن مياههم كدرة متغيرة وهواءهم غليظ.
والمدن الموضوعة على جهة الجنوب تكون مياهها حارة كدرة متغيرة تسخن في الصيف وتبرد في الشتاء وابدان اهلها رطبة لينة لا يقدرون على الاكثار من الطعام والشراب لضعف رؤوسهم ويعرض لهم الحميات الحارة.
والمدن الموضوعة جهة الشمال مياهها يابسة واهلها اقوياء اشداءواعمارهم طويلة لصحة ابدانهم ويكثرون الشراب اما سكان ناحية الجنوب فهم سود جعاد خفاف اللحوم.
ثم يبين تأثير الرياح الاربعة على كل ناحية من النواحي واثرها في اعتدال الامزجة والعقول والاخلاق<72>.
وينقل من كتاب ابقراط الاهوية والبلدان فيقول: ما كان من الامصار مقابل شرق الشمس فرياحه سليمة وماؤه عذب.
والمياه التي تنبع من الروابي والتلاع افضل المياه واصحها وهي عذبة وبلدانها اصح البلاد.
ويقول ان اصح البلاد ما كان على الجبال والاماكن التي تواجه مهب الصبا. وما كان في قعور واغوار ومواجهه لرياح الجنوب او الدبور فهي مواضع ردية مولدة للامراض.
ثم يذكر امورا اخرى تخص المنازل وتخطيطها فاحسن الدور ما كانت على طريق نافذ وماؤها يخرج وليس عليها مستشرف وحدودها لها وتكون بين الماء والسوق ويصلح فناؤها لحط الرحال وبل الطين وموقف الدواب وان كان لها بابان فذاك امثل<73>.
وذكر الشريف الادريسي، محمد بن محمد بعض المعلومات عن الادوية والعقاقير والمواد التي يعالج بها.
فحين يتكلم عن قرية انقال* يذكر ان بها الكثير من النعام الذي يحمل منها الى كل البلاد ويقول عنها وطعامهم وخيم يفسد المعدة. اما لحوم النعام فلحوم باردة يابسة وشحومها نافعة عندهم من الصمم تقطير ومن سائر الاوجاع البدنية<74>.
وحين يتكلم عن مدينة بجاية يقول: ولها من جهة الشمال جبل صعب الموتقى ومن أكنافه جمل من النبات المنتفع به في صناعة الطب مثل الحضض والزراوند وغيرها<75>.
ويذكر الزهري بعض المواد الطبية النافعة في علاج الامراض عند ذكؤره جزيرة سكاكين التي ينبت فيها شجر البلسان وان زيته اشارت الاطباء الى منافعه وانه يصلح اجسام البشر<76>. ويشير في مواضع اخرى الى ادوية وعقاقير سنذكرها في بحثنا عن ذلك.
وتناول ابن سعيد المغربي صفة البلدان وطبيعتها وعلاقة ذلك بالصحة كما اشار الى البلدان التي تحوي الادوية والعقاقير ففي وصفه لمدينة مراكش يقول: حاضرة المغرب بنيت في ارض صحراوية وجلب لها الماء وكثر وضمها ولا يكاد غريب يخلص فيها من الحمى<77>.
اما القزويني فقد اشار الى طبائع البلدان لكنه اكثر من وصف البلدان التي تكثر بها الادوية والعقاقير على مختلف انواعها العشبية والمعدنية والحيوانية ووصف صلاحيتها لعلاج بعض الامراض ولعل ذلك يعود لعنايته بالطب اضافة الى الجغرافية وعلم الحيوان<78>.
وحين يتكلم عن الاهواز يقول صيفها لا يفارق الجحيم ومن محنها شدة الحر وكثرة الهوام الطيارة والحشرات القتالة لاترى فيها وجنة حمراء وهواؤها قتال خصوصا للغرباء لا تنقطع حماها ولا ينكشف وباؤها البتة واهلها في عذاب اليم. ومن تمام محنهم ان مأكول اهلها الرز وهم يخبزونه كل يوم لانه لا يطيب الا مسخنا فيسجر كل يوم في ذلك الحر الشديد خمسون الف تنور فيجتمع حر الهواء وحر النيران ودخانها والبخار المتصاعد من سباخها ومناقعها ومسايل كنفها ومياه امطارها فاذا طلعت الشمس ارتفعت نجاراتها واختلطت بهوائها فيفسد الهواء أي فساد ويفسد بفساده كل ما اشتمل عليه<79>.
وقدم محمد بن عبد المنعم الحميري مادة عن وصف البلاد وعن بعض الادوية وبيئة بعض المدن وقدم معلومات مشابهة لما سبق لذلك آثرنا عدم ذكرها خوفا من التكرار.
تكلم عن الاهواز والبحرين وجزيرة انكال بارض المغرب وبسطة بالاندلس وغيرها<80>.
كما ان النويري اشار الى نفس المدن ونفس الخصائص التي سبق وان ذكرناها وتاثيراتها على الصحة<81>.
هذا ماقدمته المصادر الجغرافية من نصوص وهي كثيرة جدا لانستطيع الاحاطة بها في هذا المجال فلذلك اكتفينا ببعضها ولانها تكررت في المصادر وقد اثرنا ترتيبها على تسلسل وفيات مؤلفيها واختصرنا اكثرها تجنبا للتكرار .
ان هذه المعلومات التي قدمتها المصادر الجغرافية ذات صلة وثيقة بالطب لايستطيع الاطباء الاستغناء فهي التي تساعدهم على معرفة الامراض لتسهيل عليهم سبل العلاج.
الا ان المادة التي قدمتها المصادر الجغرافية على اهميتها عليها مآخذ ففيها الكثير من الاساطير والمبالغات التي حاولنا الابتعاد عنها قدر الامكان. كما ان اكثر الكتب الجغرافية طابعها التعميم في ذكرها للمعلومات فهي تقول مثلا ان هذا البلد يمتاز بكثرة الادوية والعقاقيلر ولكن لاتحدد ماهي. او ان تقول هذا البلد وبئا كثير الامراض ولاتحدد ماهي، ومع ذلك فقيمة معلوماتها كبيرة تؤكد الصلة الوثيقة بين الجغرافية والطب وهي مع المعلومات التي تقدمها المصادر الطبية التي سنأتي على ذكرها تكون بمجموعها فنا ًمن فنون الجغرافية هي الجغرافية الطبية. ونعود الان الى كتب الطب وصلتها بالجغرافية وحاجة الطبيب الى هذا العلم.
والطب هو علاج الجسم والنفس. والطبيب، هو الماهر الحاذق بالامور وكل وكل حاذق يعلمه طبيب عند العرب وبه سمى معالج المرضى العالم بالطب طبيبا .
يقول ابن ابي اصيبعه: صناعة الطب من اشرف الصنائع واربح البضائع وقد ورد تفصيلها في الكتب الالهية والاوامر الشرعية حتى جعل علم الابدان قريبا لعلم الاديان.
ويقول ايضا: وقالت الحكماء ان المطالب نوعان خير لذة وهذان الشيئان انما يتم حصولها للانسان بوجود الصحة لان اللذة الستفادة من هذه الدنيا، والخير المرجو في الدار الاخرى لايصل الواصل لها الا بدوام صحته وقوة بنيته وذلك انما يتم بالصناعة الطبية لانها حافظة للصحة الموجودة ورادة للصحة المفقودة<82>.
وحفظ الصحة من المعارف الاولى التي تنسب الى البشرية وقدتجلى ذلك في مظاهر بسيطة فالاتقاء من الحر والبرد والاستراحة بعد التعب وممارسة الرياضة<83>.
والف الاطباء الكثير في موضوع حفظ الصحة ورد الصحة المفقودة وتوصلوا الى ذلك بوسائل مختلفة لسنا بصدد الكلام عنها بل مايهمنا اهتمام الاطباء بالبيئة والمسكن والمناخ وبقية الظواهر الجغرافية فقط .
لقد تناول هذا الموضوع عدد كبير من الاطباء سوف نختار بعضا منهم لان المجال لايتسع لذلك.
ونبدا بالطبيب ابي زيد البلخي وهو طبيب وجغلرافي في ان واحد وقد اعطى اهمية كبيرة للعوامل الجغرافية في حفظ الصحة والعلاج فقال في كتابه مصالح الابدان والانفس<84> .
قدم البلخي في الباب الثالث في كتابه ((في تدبير المساكن والمياه الاهوية)) وتاثيرها في جسم الانسان.
يقول البلخي: انه اول مابدئ به القول في مصالح ابدان الناس والاشياء التي لا غنى بهم عنها في حياتهم وقوام معاشهم، ولا يتهيا ان يكون له كون ولانشوء الابهما وهي المساكن والمياه والاهوية<85>.
ويقول في موضع اخر، حين وجد الانسان على سطح الارض فلابد من بقائه فهو يحتاج الى موضع يستقر عليه وينشاء به، ويحتاج الى ما ينبت من النبات ليتغذى به، اذ لابقاء له الا بالغذاء، والى حظ من الهواء يستنشقه فيعيش به اذ لاحياة له الا بالتنفس، والى حظ من الماء يقرنه الى طعامه فيعيش بهما فصارت حاجته الى هذه الاشياء الثلاثة والى الرابعة التي هي الحرارة الموجودة في الهواء في بدنه حاجة ضرورية لايستغنى عنها جميعا<86>.
ويرى البلخي ان الذي بين الامم والاجيال وسكان البقاع المعمورة من الارض من اختلاف في اجسامهم وقدودهم والوانهم والسنتهم واخلاقهم انما هو سبب لاختلاف هذه الاصول الثلاثة التي هي: الترب والمياه والاهوية. ومن اجل ذلك نشاهد اهل كل بقعة من بقاع العمارة مخالفين لاهل البقعة الاخرى.
وهذا القول من البلخي يوافق اراء الجغرافيين ويؤكد الصلة بين الجغرافية والطب وقد ادركها البلخي بحكم كونه جغرافي وطبيب.
كما يرى ان كل واحد من الاصول الثلاثة يوجد فيه الأجود والأردأ والافضل والارذل فتكون تربة اغذى واطيب من تربة وماء اعذب واخف من ماء وهواء ارق واصفى من هواء وان طبائع الناس الذين خلقوا من هذه الاصول يقع فيها مثل هذا التفاضل حتى يوجد بعض عمار البقاع اصح اجساما واشد قوى واحسن صورا واسهل اخلاقا واطول اعمارا ويوجد آخرون بخلاف هذه الصفات وكل ذلك بسبب الاختلاف الموجود في هذه الاصول الثلاثة فالافضل فيها يولد الذين هم افضل والادون يولد الذين هم ادون منها<87>.
وهكذا بين اثر البيئة الطبيعية على حياة الانسان وتكوينه واختلاف طباعه وهيأته. ويبدأ الحديث بالتفصيل على الاصول الثلاثة ويبدأ بموضوع المساكن وانواعها واسباب اختلافها وهو ايضا موضوع جغرافي والمساكن تختلف بثلاث جهات:
1- بالتربة فانها انواع منها التربة الحرة العذبة والتربة الصخرية والرملية والسبخية والفاسدة والرديئة وغيرها.
2- بوصفها من الارض قد تكون بموضع عال تشرق الشمس عليه وقد تكون غائرة لا تشرق عليها الشمس.
3- في قربها وبعدها من مدار الشمس وذلك ان منها ما يبعد عن مدار الشمس حتى لا يكاد يصل اليه شيء من حرها وقربها، ومنها مواضع تقرب الشمس من سمت رؤوس اهلها وتدور عليها في اكثر الازمنة فبهذه الجهات تختلف المساكن<88>.
ثم يستمر في بيان العوامل الجغرافية التي تؤثر على الانسان وتكون بيئة فيذكر المياه واختلافها بثلاث جهات ايضا:
1- بالتراب التي تكون منابعها فتأخذ قوتها وطعمها مثل المياه التي تكون منابعها من ارض طيبة الترب عذبة فتخرج عذبة طيبة على عكس الارض التي تكون تربها مالحة.
2- بجهة ظهورها على وجه الارض فتكون سبخا او تغور تحتها فتستنبط من القني والابار.
3- ان توجد جارية على وجه الارض كالانهار او راكدة عليها كالبطائح والمناقع والغدران<89>.
ومن الامور التي تؤثر بالبيئة وتنعكس على الانسان الاهوية وهي تختلف بثلاث جهات:
1- بمسامته ما يكون تحتها من التراب والمياه فأن منها ما يسامت الترب الحرة الطينية والانهار العذبة فتأخذ طباعها منها ومنها ما يسامت الترب الرديئة ومياه البحار فيقبل قوة ما يسامته بما يرتفع اليه من تلك الابخرة.
2- لحالها من الشمس ومدارها وذلك ان من الاهوية ما يصل اليه حرارة الشمس وضياؤها فيسخنه ذلك ويرقق اجزائه ومنها ما يبعد عن مدار الشمس فيستولي عليه البرد.
3- لمكانها من مسامته المواضع المرتفعة كالجبال وغيرها او بانحصارها في الشعاب او المواضع الفائرة التي تحيط بها الجبال وتحصر مائيتها<90>.
ثم يتوصل بعد هذا الوصف الجغرافي الى ان الجغرافية دراسة الارض على انها مسكن للانسان او انها عبارة عن البيئة الطبيعية للجنس البشري.
ثم يصف المسكن الافضل هو الذي تكون تربته عذبة طيبة بموضع عالي الانجاد وروس الجبال وسفوحها بحيث يتهيأ للهواء ان يتموج فيه ويتحرك ولا يكون في موضع غائر منخفض فتحتقن فيه بخارات المياه وانفاس الحيوان فيرجع التنفس الى الاجواف فيتنسمها.
ولا يبعد عن الشمس عن سمت رؤوسها فيصل اليه من ضوئها وحرها ما يسخن هواءها ويرققه، ولا يكون بموضع يبعد عن الشمس بعدا شديدا فلا يصل ضوءها وحرارتها اليه.
وان يكون ماؤه عذبا خيفقا سيحا تخرج انهاره من منابع طيبة الترب. وان لا يكون بقرب المسكن ترب فاسدة او مياه آجنة فترتفع منها ابخرة رديئة فتخالط هواؤه فتفسده. هذه هي صفات المسكن الافضل المثالي الذي يصلح لسكن الانسان لانه يجمع بين المواصفات التي مر ذكرها<91>.
ثم يخلص البلخي الى القول: هذه هي المعاني التي يجب استجماعها في الموضع المسكون حتى يجعله فاضلا محمود المزاج، ثم تتعدى فضيلة المسكن الى ساكنيه فتفيدهم الصحة في ابدانهم، والقوة في اجسادهم، والحسن في صورهم، والسهولة في اخلاقهم<92>.
ويرى البلخي ايضا ان الرياح الاربع الهابة من جهات العالم تؤثر في اجسام الانسان والحيوان والنبات. ويعدد الرياح التي تؤثر على جسم الانسان وهي:
1- الرياح الشمالية والجنوبية اذا دام هبوبها فأنها تؤثر في اجسام الناس وقواهم والوانهم فأن منها ما يرخي الابدان ويغيرها ويغير الالوان الى الصفرة ومنها ما يصلب الابدان ويشدها ويجعل الالوان مشرقة نيرة.
2- ريح الجنوب ريح حارة تسخن ما يستقبلها وتكسر من شدة البرد.
3- ريح الصبا هي التي تهب من جهة المشرق وليس من الرياح شيء اطيب نسيما من الصبا.
4- الدبور وهي التي تهب من ناحية المغرب والاستتار عنها افضل وتسمى الريح العقيم لذلك فالمعني بمصلحة بدنه ان يجعل مجلسه بعيدا عنها.
ولكي يتعامل الانسان مع الرياح عليه ان يتخذ عدة اجراءات منها ان يكون جلوسه ومبيته بالليل في الصيف بازاء مهب ريح الشمال فانها ريح باردة.
وان يجلس مجالسه في العلالي والمواضع المشرفة في الهواء ويرى ان المجالس الجبلية العالية افضل مزاجا وانقى هواءا من المواضع الغائرة<93>.
ولعل اهم ما يفعله الانسان اتقاء الحر والبرد ويقول البلخي في ذلك: الواجب على الانسان ان يتوقى اذى الحر المفرط والبرد المفرط في ظاهره وباطنه لان اكثر الاعراض التي ترد على الانسان من خارج فتؤذيه وتسقمه انما هو من قبل غلبه الحر والبرد على الهواء المحيط به الذي يتنشقه ويتقلب فيه وكذلك الحكم على الاعراض التي تعرض له في داخل بدنه فتسقمه انما تكون بغلبة الحرارة والبرودة على الاغذية التي يتناولها من اطعمة واشربة<94> . ولاهمية موضوع الحر والبرد يخصص له بابا مستقلا هو الباب الرابع ((في تدبير مايقي الحر والبرد من الاكنان والملابس)) .

ليست هناك تعليقات: