الأحد، 19 أكتوبر 2008

التقاليد العلمية في المدارس البغدادية



التقاليد العلمية في المدارس البغدادية
المستنصرية أنموذجا

أ.نبيلة عبدالمنعم داود
رئيس مركز إحياء التراث العلمي العربي
جامعة بغداد

ان الحديث عن المدارس البغدادية من المواضيع الصعبة وذلك لاتصاله بعدة جوانب مختلفة من التاريخ كعلم الخطط لتعيين موقع المدرسة ، وعلم تراجم الرجال لمعرفة مدرسيها ووعاظها وفقهائها وخزانها وترتيب كل منهم فيها .
وهكذا فالمدرسة كانت ولاتزال من اشد المؤسسات ارتباطا بنواحي الحياة المتعددة(1) .
ان البحث في التقاليد العلمية في المدارس البغدادية يحتم علينا الرجوع الى الوراء لان الاستمرار الثقافي يدعو الى ذلك . لقد اهتم العرب والمسلمين بالعلم في وقت مبكر وفي كل دور من ادوار حياتهم ، فكان للعلم والعالم والمتعلم موضع فريد لايشبهه شيء في تراثنا الاصيل (2) .
ولما جاء الاسلام ازداد الاهتمام بالعلم وكان القرآن الكريم الذي هو كتاب الله المنزل يخاطب الناس بما يفهمون ويشير الى كثير مما يعرفون . .
لقد حض القرآن الكريم الناس على تعلم الكتابة فقد وردت فيه اشارات كثيرة الى الكتابة وآدابها وادواتها والعلم والمعرفة والعقل وحض الناس على استعمال العقل للتفكير واثنى على ممارسيه(3) .
بدأ التأكيد على تعلم القراءة والكتابة ايام الرسول (صلى الله عليه وسلم) حيث اولاها عناية واعتبرها مسألة اساسية ، واقتدى المسلمون بالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) الذي دعى الى التعليم واسهم في تطبيق هذه الدعوة وجعلها فدية للاسرى(4) .
لم يكن الاسلام دينا كسائر الاديان التي سبقته بل جاء وهو ينظم امر الدنيا والاخرة ويعمل للحياة وما بعد الممات ، وكان هدف العرب والمسلمين من التعليم دينيا ودنيويا معا عملا بالاية الكريمة {وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرى ، ولاتنسى نصيبك من الدنيا}(5) .
ان تحقيق هذا الهدف قاد العرب والمسلمين الى التزود من امور كثيرة فعنوا بتدارس علوم الدين والشريعة وحضوا الناس على التعلم(6) .
ونظرا لهذا الاهتمام المتزايد وتكاثر الخبرات بدأت تتوضح معالم العلوم وتتحدد مناهجها حيث اصبح لكل علم منهج يتحدد بموجب ادواته ، وطريق يأخذ مسالكه من خلال المادة الاساسية التي يعالجها، وكانت المرحلة الاولى لوضع الاصول المنهجية للبحث العلمي عند العرب والمسلمين هي تنقيح كتب الحديث واعداد الكتب الجامعة التي اطلق عليها الصحاح(7) .
ولما اتسعت الدولة العربية الاسلامية وزادت حاجاتها بتطور المجتمع واتساع الافق الفكري ووفرة المحصول العلمي وجد العرب والمسلمين انهم بحاجة الى دراسة علوم اخرى كعلوم اللسان والتاريخ والجغرافيا والكيمياء والفيزياء والطب والهندسة والفلك فعنوا بدراسة هذه العلوم(8) .
وبفضل هذه الثقافة الجامعة استطاع العرب والمسلمين ان يشيدوا حضارة رائعة قدمت للعالم زادا ثقافيا علميا كان الاساس في تطور الحضارة الحديثة بفضل ما قدمه من مكتشفات علمية غذت الانسانية طوال قرون .
خلف العرب والمسلمين تراثا فكريا علميا منقطع النظير تجاوز في كمه وكيفه حد الخيال(9) .
وبسبب هذا الاقبال الشديد على العلم والتعلم نشأت الحاجة الى المدارس ، وكان المسجد هو المدرسة الاولى ثم نشأت الكتاتيب وكانت اولا ملحقة بالمساجد او مجاورة لها ، وكان لمجالس الامراء وقصورهم ودور العلم وحوانيت الوراقين والمكتبات دور كبير في حركة التعليم . وقد ادت كل هذه المؤسسات واجبها ولا مجال للكلام عنها(10)
ونظرا لتكاثر هذه الدور برز دور المعلم ووضحت اهمية التعليم وصارت مهنة التعليم "من اجل المعايش" على حد قول الماوردي(11) . وضع العلماء العرب والمسلمين اساس علم التعليم ورسومه وآدابه وقواعده وكل ما يتعلق بتعلم المبتدئين كمرحلة اولى للتدرج في دراسة العلوم ووضحوا كل ما يتعلق بالمعلمين واختيارهم وواجباتهم ، وطرائق التدريس ، ومجانية التعليم ، والعلاقة بين المعلمين وآباء التلاميذ، والتعليم المختلط والعقاب ونوعه ، والعطلة الاسبوعية ، وحتى مسألة تعلم خطوط الاجانب(12) .
وهكذا كان التعليم يجري في امكنة غير مخصصة له، ولما تزايدت المعرفة وتعقدت وظهر التخصص ظهرت الحاجة الى وجود مكان يخصص لرعاية العلم ونشر الثقافة ظهرت المدارس.
ازداد انتشار المدارس في العصر العباسي وبصورة خاصة في العراق " موطن الحضارة وموئلها" وكان نصيب بغداد حاضرة الخلافة العباسية وراعية العلم والعلماء حظا وافرا فتشير اكثر كتب التاريخ والتراجم والطبقات الى ظهور عدد كبير من المدارس فكان ببغداد وحدها ما يقارب 30 مدرسة قبل انشاء المستنصرية(13).
ولعل اقدم مدرسة بالمفهوم الاصطلاحي هي المدرسة النظامية التي انشأها نظام الملك السلجوقي سنة 462هـ كما تجمع كل المصادرالتاريخية (14) .
كان للنظامية آدابها ورسومها وتقاليدها فيما يتعلق بالعالم والمتعلم والاوقاف وسكنى التلاميذ . وكان للتطور الذي حصل في المدرسة النظامية وخاصة في الاساليب التدريسية يعود الى الوزير نظام الملك الذي جعل للدولة السيطرة الكاملة على المدارس التي انشأها والتي انشئت من بعده .
اهتم نظام الملك بترتيب الرواتب للطلبة والمدرسين والمدارس والغى ما كان يدفعه الطالب لاستاذه من اجر لقاء تدريسه وجعل الدولة هي الموكلة بذلك .
ويقول د.عماد عبدالسلام " بيد ان ربط عجلة التعليم بالدولة في ذلك العصر كان بنظر البعض من الذين التزموا مبدأ الحرية في طلب العلم نكسه شديدة في اساليب التعليم الصحيحة(15) .
وفي هذا المجال يشير حاجي خليفة ان علماء ما وراء النهر لما بلغهم بناء المدارس ببغداد وتخصيص الرواتب للمعلمين والمتعلمين اقاموا مأتما للعلم وقالوا "كان يشتغل به ارباب الهمم العالية ، والانفس الذكية الذين يقصدون العلم لشرفه ، والكمال به ، فيأتون علماء ينتفع بهم وبعلمهم لكن – العلم – اذا صار عليه اجرة تدانى اليه الاخساء وارباب الكسل" (16) .
ولكن هذه النظرة لم تستمر طويلا حيث اثبتت هذه المدرسة شهرتها وحسناتها للطالب والمدرس معا . حتى ظهر من العلماء من ابدل مذهبه في سبيل ان يتولى وظيفة التدريس بها (17) .
كثرت المدارس في بغداد بعد النظامية فكان في بغداد في سنة 580هـ ايام زيارة ابن جبير لها (30) مدرسة ويقول ابن جبير" والمدارس بها – بغداد- نحو الثلاثين وهي كلها بالشرقية وما منها مدرسة الا يقصر الطرف البديع عنها واعظمها واشهرها النظامية وهي التي ابتناها نظام الملك وجددت سنة اربع وخمسمائة ولهذه المدارس اوقاف عظيمة وعقارات محبسة تتصير الى الفقهاء والمدرسين بها ويجروم بها على الطلبة ما يقوم بهم ، ولهذه البلاد في امر هذه المدارس والمارستانات شرف عظيم وفخر مخلد فرحم الله واضعها الاول ومن تبع ذلك السنن الصالح"(18) .
كل هذه المراحل سبقت ظهور المدرسة المستنصرية مما يدل على انها وجدت امامها ذخيرة كبيرة من التقاليد والرسوم التي تدل على ان حركة التعليم العربية الاسلامية سارت من بدايتها وفق تقاليد خاصة بها نشأت نتيجة حاجة المجتمع وظروفه وطبيعة المراحل التاريخية التي عاشها .
لقد توضحت معالم واهداف حركة التعليم وانشاء المدارس في العصر العباسي ، العصر الذهبي للثقافة وتنوع وسائل الفكر وكان للخلفاء العباسيين دور كبير في هذا .
يقول صاحب كتاب النبذة في التاريخ عن الدولة العباسية: "انها كانت دولة مباركة نشأ منها العلماء والفقهاء وتدرج بمكانها نقلة حديث الرسول ، وظهر برغبات اصحابها الادب والادباء" (19) .
وكان اكثر الخلفاء العباسيين راغبا بالعلم محبا له واستمر هذا الولع في كل العصور حتى في فترات التسلط الاجنبي ، وفترات ضعف الخلافة ، ولعل اظهر دليل على هذا انشاء المدرسة المستنصرية .
لقد اخترت المدرسة المستنصرية انموذجا لان فيها وضحت التقاليد العلمية واستقرت فيما يخص النظم التدريسية والتربوية والادارية وما يتعلق بالتقاليد الاخرى .

تأسيس المستنصرية
المستنصرية اول جامعة اسلامية كبرى في بغداد في اواخر الدولة العباسية اثناء الغزو المغولي جمع فيها تدريس المذاهب الاربعة ، وهي اول جامعة عربية اسلامية عنيت بدراسة علوم القرآن والسنة النبوية والمذاهب الفقهية ، وعلوم العربية ، والرياضيات والطب وحفظ الصحة وتقويم الابدان.(20)
سميت المستنصرية باسم الخليفة العباسي المستنصر بالله منصور بن محمد الظاهر(588هـ-640هـ) الذي تولى الخلافة سنة 623هـ وتجمع كتب التاريخ والطبقات على انه من الشخصيات العباسية الفريدة ، وتعدد الكثير من مآثره حتى ان جده الناصر لدين الله كان يلقبه "القاضي" لوفرة عقله(21) .
ولعل اهم مآثره حبه للعلم والعلماء ورعايته لهم ، وقد توج هذا الاهتمام ببنائه المدرسة المستنصرية التي بناها كما يبدو ليس رغبة في بناء شامخ يخلد ذكره ، ولكن حبا حقيقيا للمعرفة والعلم ، يؤيد هذا كثرة زياراته لها واشرافه على الكثير من شؤونها(22) .
انشئت المستنصرية في الجانب الشرقي من بغداد على ضفة نهر دجلة مما يلي دار الخلافة بدأ بنائها سنة 625هـ وتكامل سنة 630هـ وتم افتتاحها سنة 631هـ(23).
اكثر المؤرخون الكلام عنها وعن حسن بنائها فقالوا فيها الكثير يقول سبط ابن الجوزي(ت654هـ) : "لم يعمر في الدنيا مثلها فعمرت على اعظم وصف في صورتها وآلاتها واتساعها وزخرفتها وكثرة فقهائها ووقوفها"(24). ويقول صاحب كتاب الفخري في الاداب السلطانية (ت709هـ) : "وهي اعظم من ان توصف وشهرتها تغني عن وصفها"(25) .
ويصفها الاربلي (ت717هـ) فيقول : "محكمة البناء ، راسخة في الماء ، فسيحة الفناء ، وصفها غريب ، وحسن ترتيبها عجيب"(26) .
ويقول ابن كثير (ت774هـ) : "لم يبن مدرسة قبلها مثلها" (27) .


مراسيم افتتاح المستنصرية

كان لافتتاح المدارس رسوم وتقاليد تدل على عناية الخلفاء بالعلم ورعايتهم له ، وقد كانت مراسيم افتتاح المستنصرية اكثرها سعة حتى انها صارت تقليدا .
توسعت كتب التاريخ في وصف افتتاح المدرسة وكان يوم افتتتاحها "يوما مشهودا" فتحت المستنصرية بعد ان تكامل بنائها في 5رجب 631هـ . حضر الافتتتاح الوزير نصير الدين ابن الناقد وجميع ارباب الدولة والحجاب والقضاة ، والعدول ، والوعاظ ، والفقراء ، والشعراء ، ووجوه الناس ، واعيان التجار والغرباء والصوفية ومشايخ الربط والمعيدين بالمدارس الاخرى .
ابتدأ الافتتاح بتوزيع الخلع على جميع المتولين للعمارة والصناع والحاشية وعلى المعينيين للخدمة بخزانة الكتب(28) .
كما خلع على المعمار ومقدمي الصناع والفراشين والمرتبين في الدار التي استجدت بجوار المدرسة المستنصرية والتي جعلت للضيافة(29).
ومن مراسيم الافتتاح اعدت وليمة كبيرة افاض المؤرخون في وصفها ، فقد وصفها كل من ابن الفوطي(ت732هـ) ، والذهبي(ت748هـ) ، وابن كثير ، والغساني(ت803هـ) (30) .
فقد مد سماط عظيم في صحن المدرسة او في دار الضيافة المجاورة للمدرسة وقد حوى هذا السماط انواعا كثيرة من الاطعمة والاشربة ، وانواع الحلوى ما يجاوز حد الكثرة فتناوله الحاضرون من الفقهاء تعبئة وتكويرا(31) .
يقول ابن كثير ان الوليمة كانت كبيرة جدا بحيث اكل جميع الحاضرين وما فضل من الطعام حمل على سائر دروب بغداد من بيوتات الخواص والعوام(32).
ثم بعد ذلك تخير لكل مذهب من المذاهب (62) طالبا ورتب لها مدرسان ونائبا تدريس(33). والمدرسان هما : محيي الدين ابو عبدالله محمد بن يحيى بن فضلان الشافعي(ت631هـ) ، ورشيد الدين ابو حفص عمر بن محمد الفرغاني الحنفي(ت632هـ) وخلع على كل واحد منها جبة سوداء وطرحة كحلية وبغلة بمركب جميل وعدة كاملة (34) .
اما النائبان فهما جمال الدين ابو الفرج يوسف بن عبدالرحمن بن الجوزي الحنبلي (ت656هـ) ، والاخر ابو الحسن علي المغربي المالكي وخلع على كل واحد منهما قميص مصمت وعمامة قصب(35) وكان محيي الدين ابن الجوزي مدرس الحنابلة غائبا فدرس نيابة عنه ابنه جمال الدين عبدالرحمن(36) .
ويذكر ابن الجزري (ت739هـ) انه في يوم الافتتاح وزعت الخلع على سائر المعيدين وعددهم (16) ، قمصان مصمته وبقايير قصب ، وخلع ايضا على جميع الفقهاء ، قمصان دمياطي وبقايير (37)ويذكر ابن الغوطي مراسيم هذا الافتتاح فيذكر ان المدرسان رقيا سدة التدريس كل واحد منهما على سدة والنائبان كل واحد منهما تحت السدة (38) .
وفي نفس هذا اليوم قسمت الارباع في المدرسة فسلم ربع القبلة الايمن الى الشافعية ، والربع الثاني يسرة القبلة للحنفية ، والربع الثالث يمنة الداخل للحنابلة ، والربع الرابع يسرة الداخل للمالكية(39) . واسكنت بيوتها وغرفها .
وفي يوم الافتتاح ايضا تكلم الشعراء وانشدوا القصائد ،ومن هؤلاء ابو المعالي القاسم بن ابي الحديد المدائني قال :

ما مثل هذا الفلك العظيم لمبصر في الارض قبل اياله المستنصر
هذا بناء معرب عن قـــــــــــدره رفعت قواعده بفعل مطهـــــــــر
بالجانب الشرقي بالشاطىء الذي هو طور سينا كل صاحب منبـر
ومنها:
ما حق دجلة ان تفوه بلفظــــــــه فهرت واي مساجل لم يقهـــــــــر
وضع الامام بها اساس بنائــــــه والمعوج بين مجمجم ومزمجــــر
قصرا ومدرسة لمن طلب الغنى اورام شنأ والعالم المتبحــــــــــــر
قد كانت الفقهاء قبل بنائهــــــــــا في كل قطر واحد لـــم يذكـــــــــر
فاليوم قد جمعت امور الدين فـي ارجائها وازيل عذرا المقصـــــر(40)
ومن القصائد التي قيلت في افتتاحها قصيدة (41) لايعرف قائلها تبدأ ....قوله عند اكماله وفتحها وقد عرضت على المستنصر بالله من جهة الديوان العشرين من رجب سنة 631هـ . وهي :

ابيت فلا اقيم علـــــى الصغـــــار وبالمستنصر الملك انتصـــــــاري

ومنها:

وقد انشأت دارالعلم قلنـــــــــــــــا عرين الليث جل عن الوجــــــــار
تضاءلت المدارس اذ رأتهـــــــــا وباتت بالمذلة والصغـــــــــــــــار



اوقاف المستنصرية
كان التعليم يجري في اماكن متعددة في المساجد او في دور الشيوخ والعلماء ودور العلم ولذلك لم يكن يكلف نفقات تستوجب رصد اموال لتسييره .
ونظرا لاهتمام الكثير من الموسرين بالعلم والشغف به ارادوا ان يوفروه لكل الناس ، فبدأت فكرة وقف الاموال والضياع وكتابتها حتى تبقى موردا ثابتا يمون دار العلم في حياة الواقف وبعد وفاته ولكي تستمر هذه الدار او المدرسة برفد العلم والمعرفة. ويشير الدكتور احمد شلبي الى ان المأمون كان رائدا في هذه المسألة ،وكان عصره من ازهى عصور الثقافة فقد فكر ان يخصص رزقا سخيا للعلماء من وقف يخصص ريعه لذلك(42) .
تطورت هذه الفكرة حتى اصبحت من ضروريات انشاء معهد او مؤسسة ثقافية ان يعين لها وقف ثابت منه نفقاتها(43).
بدأت هذه الفكرة حتى اصبحت تقليدا من تقاليد المدارس ان يوقف لها اموالا وبصورة خاصة للذين يشتغلون بخدمة العلم في المساجد . وقد ظهر ذلك في انشاء المدرسة النظامية في بغداد حيث يذكر ابن الجوزي (ت597هـ) في حوادث462هـ "جمع الامير العميد ابو نصر الوجوه وقاضي القضاة والشهود الى المدرسة النظامية وقرئت كتب وقفها ووقف كتب فيها ، ووقف ضياع واملاك وسوق ابنيت في بابها عليه وعلى اولاد نظام الملك على شروط شرطت فيها"(44) .
وقد كانت الاوقاف التي توقف على المدارس تبلغ حدا كبيرا حتى ان الرحالة ابن جبير حين مر ببغداد قال " ..... ولهذه المدارس – مدارس بغداد – اوقاف عظيمة وعقارات محبسة تتصير الى الفقهاء والمدرسين وبها يجرون على الطلبة ما يقوم بهم ...." (45) . وهكذا اصبحت ظاهرة الوقف تقليدا في انشاء المدارس ولذلك لما بنى المستنصر بالله المستنصرية تؤكد المصادر انه اوقف عليها الوقوف الكثيرة ، ولكن يظهر ان اكثر المؤرخين لم يتح لهم قراءة وقفيتها فاكتفوا بالاشارة الى كثرة وقوفها رغم انهم افاضوا في وصف كل ما يتعلق بها .
فالغساني يقول : "ووقف وقفا جليلا"(46) .
اما القرماني (ت1019هـ) فيقول :"ما بنى على وجه الارض احسن منها ولا اكثر وقوفا" (47) .
الوحيد من المؤرخين الذي ذكر اوقاف المستنصرية بصورة مفصلة هو الذهبي حيث ذكر انه رأى نسخة كتاب وقفها في خمسة كراريس ، وقال ان هذه الاوقاف عدة رباع وحوانيت ببغداد وقرى كبار وصغار ما قيمته 900 الف دينار(48) .
ويعلق الذهبي على هذا ويقول : "ولا اعلى وقفا في الدنيا يقارب وقفها اصلا سوى اوقاف جامع دمشق ، وقد يكون وقفها اوسع"(49) .
ويعدد الذهبي اوقافها وهي :
من وقفها بمعاملة دجيل .
قصر(50) سميكة وهي 3700جريب .
الجمد(51) وضياعه كلها مساحته 6400جريب .
الاجمة كلها ومساحتها 5050جريب .
ومن نهر الملك برفطا كلها ومساحتها 5500جريب .
ناحية البدو ومساحتها 390جريب .
قوستيشا ومساحتها 3000 جريب ونيف .
قرية يزيد كلها ومساحتها 4180جريب .
ناحية طبسني ومساحتها 8100جريب .
سستا ومساحتها 3000 جريب وزيادة .
ناحية الارحاء ومساحتها 4000 جريب
الفراشة ومساحتها 1000 جريب .
قرية النهرين ومساحتها 1200 جريب .
الخطابية ومساحتها 4800 جريب .
ناحية بزندين ومساحتها 6500جريب .
الشدادية ومساحتها 20250 جريب .
حصن بقية ومساحته 4800جريب.
فرها طيا 6000 جريب.
حصن خراسان 5900جريب وما اضيف الى ذلك فهو 7200جريب .
ومن اعمال نهر عيسى
قرية الجديدة 2600جريب.
القطنية 6400جريب .
قرية المنسل 5500جريب .
مبيشا 2500جريب.
قرية الدينارية 4600جريب.
الناصرية كلها 190000جريب *
ويقول الذهبي فالمرتزقة من اوقاف هذه المدرسة على ما بلغني نحو من 500 نفس "المدرسون فمن دونهم ، وبلغني ان تبن الوقف يكفي الجماعة ويبقى مغل هذه القرى مع كري الرباع مفضلة فكذا فليكن البر والا فلا"(52) .
ويذكر الذهبي في موضع آخر :بلغ وقوف المستنصرية في بعض الاعوام نيفا و70 الف مثقال ذهب ، وتليها في الكبر وكثرة الوقوف المنصورية بالقاهرة .
ويستطرد الذهبي فيذكر ان ما يدخل المستنصرية اليوم – أي في ايامه – عشر ذلك بل اقل بكثير(53) .
ان قول الذهبي يتناقص وقوف المستنصرية في ايامه يدل على ان الكثير منها قد تسلط عليه المتسلطون في فترات التسلط الاجنبي وقد اكد ذلك محمد بن شاكر الكتبي (ت764هـ) في حوادث سنة 684هـ فقال في وصف حال المستنصرية والفقهاء وكان قد قيل لهم : من يرضى بالخبز وحده ؟ والا فما عندنا غيره .
ويذكر قصيدة لتقي الدين علي بن عبدالعزيز المغربي البغدادي (ت684هـ) يرثى لحال المستنصرية سنة 684هـ ، وقال(54) .
حاشا لــــــــست المدارس ومن بها يضرب المثـــــــــــلد
مستنصريــــة سبيكــــــــة قد كنت في عصر الصبــــــــا
تهون من بعـــــــــــد ذاك التعظيم والتشريـــــــــــــــــف
واليوم قد صرت بهـــرج مزيفـــــــــة تزييــــــــــــــــف
ما زال نخلك يرجـــــــــم حتى فني الرطب الجنــــــــــي
وما بقى في قراحـــــــــك غير الكرب والليـــــــــــــــــف
ذكرت بيتا ظريــــــــــــف من كان وكان البغـــــــــــــاددة
وكل معنى يـــــــــــبـــــدر من الظريف ظريــــــــــــــــف
أي ست ما اكثر زبونــــك ما اخلى فراشك من العشــــــي
ذي زحمة الباقلانــــــــــي وكلهـــــــــــــــــم برغيــــــــف
وكان لاوقاف هذه المدارس اهمية كبيرة ويؤكد هذا ابن الساعي فيذكر في احداث سنة 595هـ انه اوكل وقوف المدارس والوقوف العامة الى قاضي القضاة(55).
ان هذه البادرة كانت تشير بوضوح الى تعاظم اهتمام المجتمع العربي الاسلامي بالمدرسة كوسيلة اساس في الحفاظ على شخصية الامة الروحية والثقافية المتميزة واداة لتنمية مداركها وتطويرها(56) .

الانظمة العلمية في المدرسة المستنصرية
المستنصرية من " اجل مدارس بغداد مدينة السلام" (57) كان لها منذ تأسيسها نظام دقيق غاية الدقة حدد فيه اقسامها العلمية وهيئة التدريس وعدد المظفين الاداريين وموظفي الخدمات العامة وما يصرف لهم من رواتب وجرايات نقدية واخرى عينية .
ان هذا النظام وهذا التقسيم سار وفقا لشروط واقفها المستنصر بالله(58).
المستنصرية اول جامعة عراقية بل واول جامعة اسلامية جمعت فيها المذاهب الفقهية الاربعة في بناية واحدة(59) . والمستنصرية مدرسة داخلية لذا فان كل هذه الامور تستوجب ادارة كبيرة وخدمات متنوعة اضافة الى سعة الاقسام العلمية فيها .






الاقسام العلمية في المدرسة المستنصرية
ان من اهم الاقسام العلمية في المدرسة المستنصرية :
دار القرآن
شرط المستنصر بالله ان يكون في مدرسته دارا للقرآن المجيد وان يكون في هذه الدار :
أ‌- مقرئ متقن صالح للقرآن .
ب‌- ان يساعده في اداء مهمته معيد ليحفظ الطلبة القرآن .
ت‌- ان يكون بها عدد من الطلبه اضافة الى 30 صبيا ايتاما يتلقون القرآن الكريم بمساعدة المعيد .
ث‌- خصص للقارئ في كل شهر ديناران واربعة ارطال خبز وغرف طبيخ في كل يوم (60) .
اما الطلبة فلهم مثل ما للايتام من الغرف والخبز والمشاهرة كبقية طلبة الفقه(61).

دار الحديث
ومن شرووط هذه الدار :
أ‌- ان يكون بها شيخ حديث عالي الاسناد .
ب‌- قارئان وعشرة انفس يشتغلون بعلم الحديث .
ت‌- ان يقرأ الحديث النبوي كل يوم سبت واثنين وخميس من كل اسبوع(62).
ث‌- حدد لشيخ الحديث راتبا قدره (3) دنانير شهريا وفي كل يوم 6 أرطال خبز ورطلان لحم(63) .
ج‌- حدد للمشتغلين بعلم الحديث لكل واحد منهم راتبا شهريا قدره ديناران وعشرة قراريط ، وخصص لكل واحد يوميا اربعة ارطال خبز وغرف طبيخ(64) .

مدرسة الطب
من جملة الشروط التي شرطها المستنصر لمدرسته ان يكون بها شيخ للطب(65) ومن شروطها الاخرى:
أ‌- ان يكون بها طبيب حاذق مسلم (66) .
ب‌- ان يشغل عشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب .
ت‌- ان يكون الطبيب يطب من يعرض له مرض من ارباب هذا الوقف ويعطي المريض ما يوصف له من ادوية واشربة(67) .
ث‌- اما راتب الطبيب والجرايات المخصصة له فلا تختلف عن بقية رواتب العلماء الاخرين ، وكذلك طلبة الطب اسوة بطلبة الحديث من الخبز والطبيخ والمشاهرة(68) .
ويذكر ابن الفوطي ان هذه المدرسة انشئت بعد عامين من انجاز المدرسة المستنصرية وان عملها بدأ بعد تكامل الايوان المقابل للمستنصرية وعمل صفة يجلس فيها الطبيب وعنده جماعته الذين يشتغلون بعلم الطب والمرضى .
ان لمدرسة الطب هذه اهمية كبيرة لانها كانت النواة لازدهار الدراسات الطبية في بغداد(69) . ولاهمية هذه المدرسة فقد كان مدرس الطب يعين من قبل الخليفة بصدور توقيع ثم تقدم له خلعة التدريس باحتفال خاص يقام في دار الوزارة بحضور صاحب الديوان والولاة والقضاة والاكابر وكافة المدرسين في المدارس الاخرى والفقهاء ثم يقوم المدرس بالقاء بحثه على الحاضرين بعد ان يجلس على سدة التدريس ويضع على عمامته الطرحة التي لايحق له لبسها بعد ما يعزل من التدريس لانها اللباس الرسمي له (70) .
ومما يؤكد اهمية مدرسة الطب هذه يحدثنا ابن الفوطي ان الاطباء كان يعقد لهم امتحانا ويذكر قصة وصول " الطبيب مجد الدين ابن الصباغ البغدادي سنة 688هـ ومعه فرمان بامتحان الاطباء والصيادلة في العراق فمن ارتضاه اقره على عمله ومن لم يرضه يستبدل به من يراه اهلا للتدبير والعلاج وحفظ الصحة والمزاج" .
ويبدو ان مدرسة الطب هذه لم تكن تعطي العلوم النظرية فقط بل كان هناك تطبيق عملي اذ ان مدرسي الطب اذا ارادوا اجراء التطبيق العملي نقلوا الطلبة من المدرسة الى المستشفى المجاور للمدرسة ليطبق الطلاب علومهم النظرية على مرضى المستشفى (71) .
اضافة الى ماذكرنا من علوم كانت تدرس في المدرسة والتي هي من شرط الواقف ، علوم اخرى وهي النحو والادب والفرائض، فقد كان في المستنصرية شيخ للنحو وللادب العربي ولم يكن هناك مكان خاص او مدرسة لهما وانما كانا يدرسان في رواق المستنصرية(72).
اما الشروط الواجب توفرها في مدرس النحو فهي :
أ‌- ان يكون بالمدرسة شيخ نحو يشتغل بعلم العربية .
ب‌- يخصص له راتبا قدره 3 دنانير شهريا .
ت‌- ان يعطى في كل يوم 6أرطال خبز و2 لحم بحوائجها وخضرها وحطبها(73).
اضافة الى ما تقدم من اقسام علمية فقد كانت هناك علوم اخرى تدرس في المستنصرية كالفرائض والحساب وكل ما له صلة بالعلوم الدينية . ولكن يبدو ان هذه العلوم لم يكن يخصص لها مكان . وقد ذكر بعض من ارخ للمستنصرية وجود مثل هذه العلوم في مناهجها كما ورد بعضها في شروط وقفها ، ومن هذه العلوم الفرائض وعلم الحساب .
يقول الاربلي عن المستنصرية " هي كعبة الانام وقبلة الاسلام .... فيها المجموع وعلم القوافي ..... وقسمة الفرائض والتركات وعلم الحساب والمساحات ، وعلم الطب ، ومنافع الحيوان وحفظ قوام الصحة وتقويم الابدان"(74).
ويقول ابن الفوطي ، وشرط المستنصر ان يكون بها من يعلم الحساب والفرائض(75). ويؤكد ذلك ابن الجزري فيذكر ان للفرضي وهو احد الفقهاء زيادة على معلومة 13 قيراطا من الذهب(76).
هذه اهم الاقسام العلمية في المدرسة المستنصرية بموظفيها ورواتبهم وجراياتهم من المواد الغذائية ، علما ان هذه الجرايات لكل الموظفين تضاعف في شهر رمضان(77). ومن الامور التي يجب ذكرها ان للمستنصرية جامع خاص بها لاقامة الصلاة وان له اماما وخطيبا وواعظا ويبدو ان هذا احد شروط واقفها .
والذي يدل على وجود هذا الجامع هو ما ذكره ابن الغوطي في احداث سنة 654هـ حين غرقت بغداد وسقط الكثير من دورها ومحلاتها فاضطر الناس الصلاة عدة جمع في جامع المستنصرية(78).
وذكر الغساني حين تكلم عن اقسام المستنصرية وموظفيها وطلبة الفقه فذكر ان لكل طائفة امام يصلي بهم وقارئ للسبعة وداعي ويعطي كل واحد من هؤلاء عشرة قراريط في كل شهر زيادة على مشاهرته ويكون بها مؤذن (79).

مكتبة المستنصرية
الكتب هي "آلة العلم" ولذلك اهتم العرب والمسلمين بجمعها والعناية بها وانشاء اماكن خاصة لحفظها فنشأت المكتبات التي كانت طريقة القدماء في نشر العلم . ولما كان من غير الميسور على غير الاغنياء اقتناء الكتب لارتفاع ثمنها لجأ من احب تعليم الناس الى انشاء مكتبة يجمع فيها الكتب ويفتح ابوابها لهم(80) . وقد تطورت هذه المكتبات واصبحت من التقاليد اللازمة لانشاء المدارس وكانت هذه المسألة واضحة في خزانة كتب المدرسة النظامية ، يقول ابن الجوزي: "لقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية فاذا به يحتوي على 6 الاف مجلد . ولما انشأ المستنصر بالله المدرسة المستنصرية اهتم بمكتبتها وملأ خزانتها بالكتب"(81) .
ويقول الاربلي : " فاما ما خصه الله تعالى به في نفسه من الميل الى العلوم فانه لم يزل في اول امره ومبدأ عمره متشاغلا بالعلوم الدينية والادبية عاكفا على نقل الكتب حريصا على ذلك مواظبا عليه ، حسن الخط ، صحيح الضبط ، ومن محبته للعلوم انشأ(82) خزانة الكتب جمع فيها من انواع العلوم على اختلافها وتباينها وائتلافها لذلك كانت خزانة الكتب والتي هي اهم الاقسام العلمية في المستنصرية اشهر من ان توصف لنفائس الكتب التي حوتها " .
وقد نقل المستنصر اليها يوم فتحت " الربعات الشريفة والكتب النفيسة المحتوية على العلوم الدينية والادبية ما حمله 160 حمالا جعلت في خزانة الكتب" (83) .
اضافة الى الكتب التي اوقفها المستنصر فقد اوقف خزائن كتب لم يسمع بمثلها في كثرتها وحسن نسخها وجودة الكتب الموقوفة فيها (84).
ويذكر ابن عنبة ان المستنصر اودع خزانته في المستنصرية 80 الف مجلد فصارت مكتبة لم يوجد مثلها في العالم(85).
ويبدو ان زيادة عدد الكتب في خزانة المستنصرية ادى الى تنظيمها وفهرستها ليسهل عملية الاستفادة منها . فقد ذكر ابن الفوطي ان المستنصر بالله بعد ما نقل الكتب من خزانته الى المستنصرية تقدم الى الشيخ عبدالعزيز شيخ رباط الحريم بالمدرسة لاثبات الكتب(86) ، وجعل اعتبارها (87) الى ولده العدل ضياء الدين احمد والخازن بخزانة كتب الخليفة في داره ايضا فحضر واعتبرها ورتبها واحسن ترتيبها مفصلا لفنونها ليسهل تناولها ، ولايتعب مناولها(88).
ان تزايد عدد الكتب في خزانة المستنصرية بعد افتتاحها بسنوات ادى الى انشاء دارا للكتب فيها حوت الكثير من النفائس وان هذه الدار افتتحت سنة 644هـ(89). وكان يوم افتتاح دار الكتب من الايام المشهودة حتى ان موفق الدين ابي القاسم ابن ابي الحديد قال : (90) .
رأيت الخزانة قد زينـــــــت بكتب لها المنظر الهائــــــل
تمثلت اسماءها منكـــــــــــم على النقل ما كذب الناقــــل
بها مجمع البحر لكنــــــــــه من الجود ليس له ساحـــــل
وفيها المهذب من فضلكــــم ومغن ولكنه نائــــــــــــــــل
وفيها الوسيط بما نرتجيــــه وفيها النهاية والكامــــــــــل
وكان لخزانة الكتب في المستنصرية شأن كبير لانها رفدت العلم سنين طويلة لما فيها من النفائس والنوادر . يذكر حاجي خليفة ان فيها نسخة كاملة من تاريخ الخطيب البغدادي مكتوبة بخطه وتقع في 14مجلدا(91) .
ويقول الاستاذ عباس العزاوي حين يتكلم عن الشعر في العراق ايام الدولة الجلايرية (738هـ - 864هـ) " ..... وكيف يموت الشعر ، وتنتزع الروح الادبية ولاتزال خزانة المستنصرية قائمة يرجع الى آثارها ..... وهي المدرب عند فقد المدرس ، وهي المؤدب لمن تأهب للادب ، وكانت فيه جذوة حب الشعر" (92).
وكان لهذه الخزانة نظام خاص بها يديرها عدد من الموظفين لتمشية امورهاوتسهيل الاستفادة منها لطالبي العلم فمن موظفيها :
الخازن او خازن الكتب وهي اهم الوظائف لان واجبه الاحتفاظ بالكتب " وترميم شعثها وحبكها عند احتياجها للحبك والضنة بها على من ليس من اهلها ، وبذلها للمحتاج اليها ، وان يقدم في العارية الفقراء "(93) .
والمشرف ويأتي بالدرجة الثانية بعد الخازن ، ثم الناسخ الذي ينسخ الكتب ويجب ان يتصف بصفات اهمها الامانة ، والا يبيع دينه بدنياه والدقة والتأني ليؤدي وظيفته على احسن وجه(94) .
اما المناول فوظيفته ارشاد القراء وطلبة العلم الى مواضع الكتب(95) . ثم المجلد والمترجم(96) .
ان معرفة واجبات هؤلاء الموظفين تدل على ان هناك نظم وتقاليد متبعة في انشاء هذه المكتبات وقد التزمت المستنصرية بها ، كما يدل على ذلك سعة خزانة الكتب في المدرسة وعلى احترام واقفها للعلم والعلماء لانه سلك كل السبل من اجل تذليل الصعوبات التي تقف امام المستفيدين منها . ويؤيد هذا قول المنذري حين ذكر المستنصر بالله فقال : "كان راغبا في فعل الخير مجتهدا في تكثير اعمال البر .... وانشأ المدرسة المعروفة به ، ورتب فيها الامور الدالة على تفقده لاحوال اهل العلم وكثرة فكرته فيما يقضي براحتهم وازاحة عللهم (97) .
وليس هناك خدمة اجل من ان يقدم الكتاب لاهل العلم ومريديه ومثل ما اهتم المستنصر باهل العلم رعى من يقوم بخدمتهم أي موظفي المكتبة فقد خصص لكل منهم رواتب نقدية وجرايات عينية ، فقد كان راتب الخازن (3) دنانير شهريا ويعطى كل يوم (10) ارطال خبز و(4) ارطال لحم بحوائجها وخضرها وحطبها (98).
اما المناول فراتبه الشهري (2) ديناران وفي كل يوم (4) ارطال خبز وغرف طبيخ(99) ، وكانت هذه المشاهرات تضاعف في شهر رمضان (100) .

ليست هناك تعليقات: