الأحد، 19 أكتوبر 2008

التقاليد التربوية والعلمية في

بسم الله الرحمن الرحيم

التقاليد التربوية والعلمية في
التراث العربي

أ.نبيلة عبدالمنعم داود
رئيس مــركـز إحـيـاء الـتـراث
جامعة بغداد


التقاليد هي العادات، والآداب، والأعراف، والسنن والرسوم التي يلزم بها المنسوبين إلى المؤسسات العلمية ومنها الجامعة والتي تزين سيرتهم وأخلاقهم.
والتقاليد تنشأ ببطء وبصورة لاشعورية نتيجة لقبول أفراد المجتمع لصيغة من صيغ العمل والالتزام بها لفترة طويلة من الزمن ، ثم تصبح التقاليد من الناحية المبدئية أمرا مطلوبا وجيدا لأنها تشكل عاملا من عوامل الاستقرار بالنسبة للمجتمع ومؤسساته المختلفة <1> .
أن البحث في هذا الموضوع يحتم علينا الرجوع إلى التراث العربي في هذا المجال وبدءا من فترة ما قبل الإسلام لمعرفة إسهام العرب في بناء الصرح العلمي.
وقد كان للعرب والمسلمين اهتمام واضح بالعلم وفي وقت مبكر وفي كل ادوار حياتهم ، فكان للعلم والعالم والمتعلم موضع فريد لايشبهه شيء في تراثنا الأصيل .
تشير الدراسات إلى أن العرب في الجزيرة العربية قبل الاسلام كانوا يجلون العلم ويحترمون الحكماء حتى انهم اشترطوا فيمن يتولى رئاستهم ان يكون حكيما ، كريما ، شجاعا ، نسيبا . فضلا عما كانوا يتصفون به من صفات كالامانة ، وحفظ الجوار ، ونصرة المظلوم ، وهي اعراف ظلت متبعة حتى مجيء الاسلام ، وكانت السمة التي تميزهم . وكانت لهم معارف عامة في علوم عديدة ، فضلا عن معرفتهم بالادب والشعر .
كما تشير الدراسات الى ان اهل الجزيرة كانوا على علم بالكتابة لان مطالب الحياة ، وعملهم بالتجارة كان يقضي بتعلمهم الكتابة واستعمالها لتأمين البيع والتجارة والمراسلات <2> .
وما ان جاء الاسلام والذي كان ثورة على الواقع الجاهلي فأبقى على بعض الاعراف والعادات ومما يتناسب ويتفق مع طبيعته .
وكان القرآن الكريم معجزة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ازداد الاهتمام بالعلم، وكان القرآن الكريم يخاطب الناس بما يفهمون ويشير الى كثير مما يعرفون . وقد نزل باللغة العربية حيث قال سبحانه وتعالى : { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} .
لقد حض القرآن الكريم الناس على العلم وتعلم الكتابة ومن الظواهر الواضحة في القرآن الكريم كثرة اشاراته الى الكتابة وادواتها : القلم ، والقرطاس ، والطور ، والالواح ، والمداد ، والصحف وما الى ذلك .
وفي القرآن كلمات تدل على معرفة العرب ببعض العلوم منها : الحساب حيث ترد الفاظ تشير الى ذلك قبل العشرات ، والآحاد ، ويوم الحساب ، والموازين وغيرها. وفيه اشارات الى بعض الظواهر الفلكية ، وسير الشمس والقمر ، ولصلة ذلك بالفرائض الاسلامية كالصوم والصلاة والحج .
كما ورد في القرآن اشارات الى اساليب المعرفة وطرقها فقد حض القرآن الكريم على استعمال العقل للتفكير واثنى على ممارسيه . وقد وردت فيه تعابير مثل رأي ،وبصر ، ونظر ، وعرف .
كما ترددت كلمة العقل (48) مرة ، والفكر (19) مرة ، واللب بمعنى العقل (6) مرات ، واساليب الحوار والجدل (29) مرة . اما كلمة علم ومشتقاتها فقد وردت في (800) آية .
كما ذكر القرآن الكريم العلماء وغيرهم فاشار اليهم في العديد من السور قال تعالى : {الذين اوتوا العلم } {والراسخون في العلم } و {هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون } و { انما يخشى الله من عباده العلماء } و { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات } .
كما اشار الى الحكمة في (16) آية وقال تعالى {يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤتِ الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا} .
وفي القرآن الكريم اهتمام بالفرد والاخلاق واصلاح الفرد وتنميته لوضعه في مكانه الصحيح . واوجب على الفرد الالتزام بقواعد اخلاقية اساسية منها : الصدق والامانة ، والصبر ، وحب الخير للمجتمع وهي مبادىء اساسية للبحث العلمي السليم<3> .
بدأ التأكيد على تعلم القراءة والكتابة ايام الرسول (صلى الله عليه وسلم) حيث اولاها عناية كبيرة ، واعتبرها مسألة اساسية الى حد انه جعلها فدية للاسرى في بدر<4> .
والدعوة الى الاسلام صورة من صور التعليم وكان الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يجلس مع المسلمين يعلمهم الشرائع ويرونه وهو يطبق ، فاخذوا عنه العلم والعمل <5> .
ويؤثر عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) انه قال : " ان الله بعثني معلم ولم يبعثني معنفا " .
كانت سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) القدوة والمثل الأعلى فقد اقتدى الصحابة بسيرته وكانت اعماله سوابق يعمل بها . وبعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وسلم) بدأت مرحلة جديدة في تطور التعليم وفي وضع رسوم وتقاليد علمية .
اهتم الصحابة والتابعين بكتاب الله وتفسيره . ثم بدأ الاهتمام بحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحفظه وروايته وتعليمه واصبحوا القدوة في المجتمع يؤيد هذا الحديث المروي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) انه قال : " اصحابي كالنجوم بايهم اهتديتم اقتديتم " .
كان اهتمام المسلمين منصرفا بالدرجة الاولى الى حديث الرسول (بعد القرآن الكريم ) وظهر علماء في الحديث ووضعوا الكثير من اصوله ورسومه .
وقد بدأ اهتمامهم هذا على شكل حلقات للعلم تعقد في مختلف الامصار فهناك حلقة في المدينة واخرى في مكة ، وفي اليمن والبصرة والكوفة . وهذا يدل على تطور العلم والاهتمام به <6> .
بدأت هذه الحلقات صغيرة وخاصة ثم توسعت وصارت عامة لذلك كان المكان الانسب لها هو المسجد والمسجد اول مؤسسة تعليمية اذا جاز التعبير لانه ادى الى توسيع نطاق التعليم . وكانت حلقات العلم تعقد في المسجد وقد تكون واحدة او اكثر في وقت واحد .
وحين يضيق المسجد بالناس كانت المجالس تعقد احيانا في الاسواق والطرقات. وكان لحضور هذه المجالس آداب ورسوم هي جزء من نظم تعليمية تطورت بعد ذلك عند ظهور الكتاتيب والمدارس .
كان الحديث يروى شفاها وقد ضبط علماء الحديث الروايات الشفوية ووضعوا لها قواعد لاخذ العلم وتحمله وهي : الطرق المعروفة : السماع ، والاجازة ، والرواية، والقراءة ، والكتابة ، والمناولة ، والوجادة ، والوصية<7> .
هذه الطرق هي من القواعد الاساسية في التعليم واستمرت حتى ظهور المدارس وصارت من التقاليد الاساسية فيها . بدأت في الحديث ثم انسحبت على العلوم الاخرى .
بدأ الحديث بروايات شفوية وكان اعتماد الصحابة على الحفظ ولم يكن اهتمامهم كبيرا بكتابة ما يحفظون رغم معرفتهم بالكتابة . ولكن لما انتشر الاسلام واتسعت الامصار وتفرقت الصحابة في الاقطار ومات معظمهم دعت الحاجة الى التدوين والتقييد بالكتابة .
وبدأت مرحلة جديدة في وضع نظم علمية تخص الكتابة والف العلماء العرب في ذلك العديد من الكتب في التقييد فيها : كتاب تقييد العلم للخطيب البغدادي (ت463هـ) ، وكتاب الالماع الى معرفة الرواية وتقييد السماع للقاضي عياض اليحصبي (ت544هـ) وفيهما اشارات الى فضل الكتب ومنافعها والكتابة والقلم والعناية بالكتاب وحفظه <8> .

الاطعمة والاشربة

بسم الله الرحمن الرحيم


الاطعمة والاشربة

أ.د نبيلة عبد المنعم داود
رئيس مركز احياء التراث العلمي العربي
جامعة بغداد


مقدمــــــــــــة
الطعام والشراب حاجتان اساسيتان لكل البشر منحهما الله سبحانه وتعالى للبشر منذ انزل آدم على سطح الارض فقال في محكم كتابه : (ان لك ان لاتجوع فيها ولاتعرى ، وانك لاتظمأ فيها ولا تضحى )<1>
اما علم الاطعمة فقد عرفه العلماء بأنه (علم باحث عن كيفية تركيب الاطعمه اللذيذة والنافعة بحسب الامزجة المختلفة) <2> وقد ادرجه طاشكبري زاده في الشعبة الخامسة في فروع العلم الطبيعي وقسمها الى عدة عناقيد ، العنقود الاول منها في فروع علم الطب وهي علم التشريح وعلم الكحالة ، وعلم الاطعمة والمزورات <3> بدأت الاطعمة بسيطة ومحدودة ولم يظهر التنوع في الطعام والشراب عند العرب قبل الاسلام ولاسيما في البوادي اذ تميزت موائدهم بأنواع محددة من الاطعمة والاشربة وهي بسيطة الصنع بعيدة عن التفنن الا ان الامر يختلف الى حد ما في وصف موائد الحواضر العربية حيث كان الاختلاط بالامم المجاورة وقد ساهم في ادخال بعض انواع الاطعمة فضلا عن التعرف على طرق طهيها حتى ان تلك الاطعمة ظلت محافظة على تسمياتها الاعجمية <4>
واتسمت موائد الملوك والاثرياء العرب انها كانت حافلة بأنواع مختلفة من الاطعمة والاشربة وقد قال الجاحظ " (ان من ينظر الى اشعار العرب يعلم انهم قد اكلوا الطيب وعرفوه ، الا ان الناعم من الطعام لا يكون الا عند اهل الثراء ) <5>


1) سورة طه 20:118
2) احمد بن مصطفى طاشكبري زاده (ت968هـ/1560م) مفتاح السعادة ومصباح السيادة ، حيدر اباد الدكن 1977، ج1 ص320
3) المصدر نفسه ج1 ص320
4) د0 جواد علي : المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ، بيروت ، 1970، ج4 ص65
5) ابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255هـ/869م) البخلاء ، تحقيق طه الحاجري ، دار الكتب المصرية ، مصر 1948 ، ص210 0


وقد كانت الاطعمة والاشربة امتدادا لما كانت عليه قبل الاسلام ، اذ اتسمت بالبساطة وقلة التنوع <6> ويعود ذلك لبساطة الحياة وغلبة جانب الزهد والخشونة فيها 0
اما بدايات التنوع في الاطعمة والاشربة فأن ذلك كان في العصر الراشدي ثم بدأ التنوع في الاطعمة والاشربة ايام معاوية بن ابي سفيان حيث اشارت المصادر الى انه اول من اتخذ الوان الاطعمة <7>
ان ما حصل من التنوع في الوان الطعام والتفنن في طهيها في العصر الاموي يعود الى ما اتسمت به حياة العرب بصورة عامة بالتغيير ، كما ان الامويين ادخلوا الكثير من مظاهر الترف في حياتهم الاجتماعية ولاسيما في موائد طعامهم 0
تعددت انواع الاطعمة في العصر الاموي واشتهرت منها انواع بسيطة عند كل الطبقات العامة والخاصة ومثل ما تعددت الاطعمة تعددت مناسباتها واصبح لكل مناسبة لون خاص من الطعام ففي ولائم الزواج يقدم الخبز والثريد 0 اما الطعام الذي يقدم عند الولادة فانه يعد من لحم العقيقة التي تنحر سابع يوم الولادة فيعمل منه ثريدا
كما يقدم للنساء طعام خاص يسمى الغريقه وهي حلبه تضم الى اللبن والتمر <8> وهناك اطعمة خاصة بالمرضى ومنها التلبينه والغريقة وقد حرص الخلفاء الامويين على وجود الاطباء للاشراف على موائدهم ، كما اهتموا باعداد طعام خاص لكبار السن يتلائم ومقدرتهم على هضمه وهو الخزيرة وهو طعام يتخذ من اللحم يقطع صغارا على ماء فاذا نضج ذر عليه الدقيق <9> 0
اما الاطعمة التي تقدم في الازمات والمجاعات فاكثرها يتخذ من الدقيق والسمن والدقيق والتمر ومنها السخينة وهي ارق من الحساء واغلظ من العصيدة <10> 0
اما الحلويات فقد تعددت اصنافها في العصر الاموي ومنها مايقدم على مائدة الفقراء والزهاد واخرى على موائد الخاصة والاثرياء وكان تناولها بعد الطعام 0
هذه لمحة عن الاطعمة والاشربة في العصر الاموي وفي بداية القرن الثاني الهجري لابد منها لانها تعتبر الخطوط العامة للتطور الكبير الذي حصل فيما بعد في العصر العباسي وبالذات في حقبة الترف والحضارة0

6) نجلة قاسم الصباغ : جوانب الحياة الاجتماعية في عصر الرسالة الاسلامية ، بحث منشور في مجلة آداب الرافدين ، جامعة الموصل ، العدد 13، 1981 ص 145
7) ابو القاسم حسين بن محمد الراغب الاصفهاني (ت502هـ/1060م) محاضرات الادباء ومحاورات الشعراء ، دار مكتبة الحياة ، بيروت 1961 ، ج1 ص626
8) محمود شكري الالوسي : بلوغ الارب في معرفة احوال العرب ، تصحيح محمد بهجة الاثري ، مطابع دار الكتاب العربي ، القاهرة 1923 ، ج1 ص383 .
9) جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (ت711هـ/1311م) لسان العرب ، دار صادر بيروت 1968 الجزء الثاني ص824 .
10) ابو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي (ت597هـ/1200م) اخبار الظراف والمتماجنين ، المكتبة الحيدرية ، النجف 1967 ، ص24




بلغت الدولة العربية الاسلامية في العصر العباسي اوج عظمتها وذروة فتوحاتها في مشارق الارض ومغاربها فقد فتح العراق والشام ومصر وورث العرب ما فيها من حضارات كلدانية وسامية وساسانية وبيزنطية وارامية وكان تأثير هذه الحضارات واسعا شاملا في مختلف نواحي الحياة في العصر العباسي ولاسيما الحياة الاجتماعية<11>
ان دراسة احوال الطبقات الاجتماعية له اثره في اظهار عظمة الحضارة العربية الاسلامية وما بلغته من سمو وازدهار 0
وموضوع دراسة الحياة الاجتماعية من المواضيع الصعبة لان القدامى لم يفردوا كتابا مستقلا بهذا الشأن ويعود ذلك كما يقول د0صلاح الدين المنجد لان الادباء منهم يقصدون اللهو والمؤرخين وجهوا عنايتهم للسياسة والحرب فاهملوا المجتمع ، الجغرافيون والرحالة وصفوا ما احاط بهم من مظاهر خارجية واهملوا التحري والاستقصاء 0
ولمعرفة هذا الموضوع لابد من التعرف الى المراحل التي مرت بها الدولة العربية وبالتحديد العصور العباسية الحقبة التي ترف خلالها الناس فافتنوا في الحياة والمعاش والتفكير واللهو وقد طغى الترف فيها على كل شيء - ومنها الاطعمة والاشربة – حتى يمكن تسميتها بـ (حقبة الترف) بدأت في القرن الثاني الهجري ايام الخليفة المهدي العباسي (ت158هـ/374م) وانتهت اواخر القرن الرابع الهجري<12>
وهناك تفاوت واضح وكبير بين هذه الطبقات فالطبقة العامة لاتجد القوت اليومي ، بينما الطبقة العليا تعيش في جو حافل بالجوهر والياقوت والقصور الجميلة وملابس الوشي والخز وطيبات الاطعمة والحلوى والبساتين والرياض ومجالس اللهو الغناء حتى اصبحت هذه الطبقة لها عاداتها ولباسها وطعامها وطباعها هم الظراف والمتظرفات 0 ان نظرة الى كتاب الموشى تدل على صدق هذا الوصف <13> وهكذا عاشت في مدينة بغداد طبقتان اجتماعيتان ، طبقة اصحاب الاموال الذين اعجبتهم بغداد لما فيها من عيش رغيد وطعام هنيء.
اما الفقراء فقد نظروا الى بغداد نظرة من ضاقت عليهم على رحبها ولم يستطيعوا العيش بها




11) كمال الدين ابو القاسم عمر بن احمد بن العديم (ت660هـ/1261م) الوصلة الى الحبيب في وصف الطيبات والطيب ، تحقيق سليمى محجوب ، ودرية الخطيب ، معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب 1986(مقدمة التحقيق ) ج1 ص201
12) صلاح الدين المنجد : الظرفاء والشحاذون في بغداد وباريس ، دمشق ص1
13) محمد بن اسحاق بن يحيى الوشاء (ت325هـ/ 936م) الموشى او الظرف والظرفاء ، بيروت ، وانظر نبيلة عبدالمنعم داود : الطرف والنكت في التراث ، محاضرة القيت في ملتقى الرواد في بغداد 1996م

هذه الحالة الاجتماعية كان لها نتائج هامة في حياة المجتمع العباسي لان غزارة الاموال في يد الخلفاء والوزراء والامراء وقلة الاموال في يد سواهم جعل فن الطبخ لا يزدهر الا في قصور الخلفاء ولاتتعدد اصنافه وتتنوع الوانه الا على يد طباخ ماهر 0 " وفن الطبخ او الطبيخ مظهر من مظاهر الحضارة العربية الاسلامية وان هذه المظاهر متعددة ومتنوعة تتغير وتتطور حسب الازمنة والامكنة ، وتتميز تبعا لعوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية ولكنها رغم هذا التنوع ، وهذا التلون فانها تحافظ على صفة الاستقرار النسبي وصيغة المرونة ، وتدخل دائما في اطار تخضع حدوده لعامل الوحدة والشمولية بقطع النظر عن الجزئيات الطارئة والخصوصيات الاقليمية ، انه التفاعل والتكامل اللذان يطبعان الوطن العربي في شرقه وغربه عن سائر البيئات " <14> وقد ادرك العرب ما لفن الطبخ من الفضيلة والاثر الحميد في تعديل الامزجة واصلاح الاجسام فصرفوا اليه نصيبا وافرا من عنايتهم واهتمامهم <15> ان مصادر دراسة الاطعمة والاشربة متعددة ومتنوعة وهي :
1- ما جاء في القرآن الكريم عن الطعام في عدد من السور بصيغ مختلفة مثل : اطعموا ، طاعم ، يطعم ، طعامك ، طعمتهم ، طعموا 000<16> وكذا ما جاء عن الشراب وصفاته فقد ورد في عدد من السور والايات مثل شرب ، يشرب ، يشربون ، شراب ، شاربين ، شرابك ، شرابه <17>
2- ما جاء في الحديث الشريف ، فقد اشارت كتب الحديث والفقه الى الكثير مما يخص الطعام والشراب وافردت لذلك ابوابا وفصولا او كتبا كما سمتها منها : كتاب الاطعمة ، وكتاب الاشربة وكتاب الذبائح ، وكتاب الاضاحي ، وكتب الصيام ، كتب ادب المؤاكلة 0 اضافة الى ما تناولته هذه الكتب من امور تخص الزكاة والصدقات والزراعة <18> ويمكن ان نضيف اليها كتب الخراج التي تعنى بضريبة الارض فتذكر انواع المواد الغذائية من خلال ذكرها لما يجب من الضريبة على هذه المواد 0 ورغم ان المعلومات التي تقدمها هذه الكتب تغلب عليها الصفة الدينية وتتناول قضايا فقهية الا ان فيها بعض المعلومات المهمة التي تخص الطعام والشراب وانواعه وفائدتهما لحفظ الصحة وادامة الحياة ليستطيع الانسان ان يؤدي الفرائض المطالب بها فضلا عن انها من زمن مبكر وهي مسألة لها اهميتها في دراسة تطور الاطعمة وانواعها والعناية بها لذلك لايمكن اغفالها <19>


14) علي بن أحمد بن ابي القاسم بن ابي بكر بن رزين التجيبي : فضالة الخوان في طيبات الطعام والالوان تحقيق محمد بن شقرون ، دار الغرب الاسلامي ، بيروت 1984 ، ص 5
15) نبيلة عبدالمنعم داود : كتب الطبيخ مصدر لدراسة الصناعات الغذائية (بحث منشور في المؤتمر الثالث للجمعية الاردنية لتاريخ العلوم ، اساليب الانتاج الصناعي والزراعي في الحضارة العربية الاسلامية ، الاردن 2000 م / ص11 )
16) وردت في عدد من السور : الاحزاب 83 : 33 ، المائدة 93 : 5 ، الانعام 145: 6 ، يس 47 :36، قريش 4: 106 ، المدثر 44: 74 وسور اخرى
17) وردت في عدد من السور : البقرة 249: 2 ، المؤمنون 33: 23 ، الانسان 5: 76 ، الانعام 70: 6 ، البقرة 259: 2 ، فاطر 12: 35 وسور اخرى
18) فنسنك : المعجم المفهرس لالفاظ الحديث ، الطبعة الاوربية
19) نبيلة عبد المنعم داود : الغذاء والصحة في التراث العربي (بحث منشور ضمن ابحاث الندوة العالمية السادسة لتاريخ العلوم عند العرب ، معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب بالتعاون مع مركز دراسات رأس الخيمة 1996، ص576

3- كتب اللغة والمعاجم ، تناولت موضوع الطعام والشراب وانواع الاطعمة وما يتعلق بالمائدة والتسميات المختلفة لانواع الاطعمة من خلال عنايتها بالالفاظ ودلالاتها واصلها واشتقاقها ومن الامثلة على ذلك كتاب المخصص لابن سيده (ت458هـ/1065م) حيث خصص بابا فيه سماه كتاب الطعام <20> بدأ فيه بـ: اسماء عامة الطعام وذكر :
وهناك كتب اخرى اهتمت بالالفاظ المعربة والتي دخلت المجتمع العربي الاسلامي نتيجة الفتوح والاختلاط بالامم الاخرى فدخلت اطعمة جديدة ولها تسميات غير عربية اهتمت بها هذه الكتب وشرحتها ومن الامثلة على ذلك كتاب المعرب للجواليقي <21> (ت540هـ/1145م) ذكر فيه الكلام الاعجمي على حروف المعجم ، وذكر في كتابه مجموعة من الاطعمة والحلوى من خلال ذكره للمفردات الاعجمية فذكر الخشكنان واللوزينج والسكباج وغيرها 0
4- دواوين الشعراء التي حفلت بوصف مفصل لانواع الاطعمة والاشربة ووصف صناعتها ومحتوياتها والامثلة على ذلك كثيرة لا مجال لذكرها كما حفلت كتب الادب بالكثير من الشعر في وصف الطعام والشراب
5- كتب التاريخ العام والتراجم والسير وقد وصفت هذه الكثير من الموائد الخاصة بالخلفاء والوزراء والموسرين وما يقدم فيها من انواع الاطعمة والاشربة والحلوى والفواكه وهي تعطي صورة عن البذخ والترف الذي كانت تتسم به هذه الموائد وما يستخدم فيها من آنية من الذهب والفضة والبلور ورغم انها تهتم بالجانب الوصفي الا انها لا تخلو من فائدة في موضوع الاطعمة والاشربة ومثال ذلك ما ذكره المسعودي في مروج الذهب والصابي (ت448هـ/1056م) في كتابه تحفه الامراء في تاريخ الوزراء حيث اكثر في وصف موائد الوزير ابو الحسن بن الفرات وما يقدم فيها من انواع متعددة من الطعام والشراب والادوات المستعملة في ذلك
6- كتب الجغرافية والبلدان والرحلات وهي التي تعنى بالاقاليم وطبيعة الارض والمناخ وانواع المزروعات وتأثير ذلك على صحة سكان اهل البلد وتحديد الطعام ونوعيته ، ومثال ذلك ما ذكره الجاحظ (ت255هـ/ 869م) في كتابه البلدان او الحنين الى الاوطان <22> 0 اما الرحالة فقد اهتموا بالطعام ليس لكونه وسيله لتغذية الجسم بغية الحياة بل لان الطعام يرتبط بالبيئة والاقتصاد والدين والمعتقدات الشعبية وبكافة مظاهر الحياة الانسانية المادية والفكرية وعلى هذا الاساس يشكل الطعام مركبا حضاريا في الفكر الانثوبولوجي <23>
7- كتب الفلاحة والنبات وهي تعنى بالتربة والمناخ والزراعة ووسائل السقي والتسميد وحماية المزروعات ومواسم الزراعة وبعض الصناعات الغذائية : ومثال ذلك ما ذكره الطعنري الاشبيلي في كتابه زهرة البستان ونزهة الاذهان ، فقد اشار الى عدد من هذه الصناعات الغذائية ومنها صناعة الجبن والالبان<24> وخصص ابوابا اخرى لصناعة الزبد والسمن واصلاح ما فسد منهما وباب في طبخ الباذنجان ، واخر في صناعة خل العنب وصناعة المربيات وغيرها <25>
20) ابو الحسن علي بن اسماعيل النحوي الاندلسي (458هـ/1065م) المخصص ، المكتب التجاري للطباعة والتوزيع والنشر ، بيروت ، السفر الرابع ص118 وصفحات اخرى بعدها 0
21 ) موهوب بن احمد بن محمد بن الخضر الجواليقي : المعرب تحقيق احمد محمد شاكر دار الكتب المصرية ، القاهرة 1361هـ 0وقد اصدر المكتب الدائم لتنسيق التعريب في العالم العربي – جامعة الدول العربية معجم الاطعمة ضمن مشروع كبير لاصدار عدد من المعاجم جاء تسلسله (13) لعام 1970 فيه تعريف لكثير من مفردات الاطعمة والاشربة العربية والمعربة 0
22) نشره صالح احمد العلي ، مجلة المجمع العلمي العراقي 1986 0
23) حسين محمد فهيم : ادب الرحلات ،سلسلة عالم المعرفة 138 الكويت 1989ص143
24)محمد بن مالك الغرناطي الطغنري الاشبيلي (ق5هـ) : زهرة البستان ونزهة الاذهان ، تحقيق محمد مولود خلف ، مركز نور الشام للكتاب ، دمشق 2001 ، ص 148، 151
25) المصدر نفسه الصفحات 153 ، 156 ، 159 ، 163


8- كتب الثقافة العامة ، وهي كتب تناولت جوانب متعددة من الحياة والفكر فذكرت بعض الحقائق والافكار العلمية ومنها ما يخص الاطعمة والاشربة وسأشير اليها حسب تسلسلها الزمني 0
ومن اقدم هذه الكتب كتاب المحاسن لابي جعفر احمد بن محمد بن خالد البرقي (ت274هـ/887م او 280هـ/893م) جمع فيه فنونا مختلفة وخصص فيه كتابا سماه " كتاب المآكل" واخر سماه " كتاب الماء" <26> ذكر البرقي في كتاب المآكل 127 بابا تخص انواع الاطعمة وقضايا تخص ادب المؤاكلة واداب المائدة وامور اخرى 0
اهتم البرقي بانواع الاطعمة مبينا علاقتها بالصحة وما ذكره في هذا المجال غاية في الاهمية رغم انه ليس من الاطباء ولم يؤثر عنه في سيرته اهتماما بالطب ، فضلا عن ان ما ذكره من حقائق وان كان على شكل احاديث واخبار تغلب عليها الصفة الدينية ، الا ان هذه المعلومات ذات قيمة في دراسة تطور الاطعمة لانها تمثل دراسة رائدة في هذا المجال ولان المؤلف رواها عن طريق الصحابة والتابعين الذين عاشوا اواخر القرن الاول الهجري والثاني والثالث للهجرة فهي اساس للكتب التي سارت على نهجه وتناولت نفس الموضوع ومنها كتاب مكارم الاخلاق للطبرسي الذي سنشير اليه فيما بعد 0
اما كتاب الماء فيذكر فيه 20 بابا تخص فضل الماء وذكرالانية التي يشرب بها0 <27> ومن كتب الثقافة العامة مجموعة اخرى منها :
كتاب العقد الفريد لاحمد بن عبدربه الاندلسي (ت328هـ/939م) فقد خصص في موسوعته بابا سماه " في الطعام والشراب " استهله بقوله " 00000 الطعام والشراب بهما نمو الغراسة ، وهما قوام الابدان ، وما عليهما بقاء الارواح 000"<28>
ومن الكتب كتاب الموشى او الظرف والظرفاء لمحمد بن اسحاق بن يحيى الوشاء (ت325هـ/936م) ذكر فيه امورا تخص اداب الطعام والمائدة والتأنق في الاكل وما الى ذلك ، وهو في الواقع يقتصر على طعام وشراب الطبقة المترفة من الموسرين والاثرياء والموصوفين بالظرف والتأنق فهو صورة حضارية لمجتمع مترف موغل في الترف خصص الوشاء بابين لموضوع الطعام والشراب هما : باب زي الظرفاء في الطعام<29> ن وباب زيهم في الشراب <30> الترف 0

26)ابو جعفر احمد بن محمد بن خالد البرقي : المحاسن ، المطبعة الحيدرية ، النجف 1964 ص316-466 ، ص468-486
27)المصدر نفسه ص469-489
28) احمد بن عبدربه الاندلسي (ت328هـ-939م) : العقد الفريد ، طبعة احمد امين واحمد الزين وابراهيم الابياري مطبعة لجنة التأليف ، القاهرة 1965 الجزء الثاني ص169 .
29) محمد بن اسحاق بن يحيى الوشاء : الموشى ، عالم الكتب ، بيروت 1324هـ ط1، ص105
30) المصدر نفسه ص107




اما الثعالبي (ت429هـ/1037م) فقد خصص في كتابه ثمار القلوب الباب (52) في الطعام وما يتصل به ، اشار فيه الى انواع الاطعمة والفواكه والحلويات 0<31> وخصص الحصري القيرواني (ت453هـ/1061م) في كتابه زهر الاداب وثمر الالباب، بابا سماه الفاظ لاهل العصر في صفات الطعام ومقدماته وموائده والاته ذكر فيه انواعا من الاطعمة كالهريسة والفالوذج واكثر اشاراته شعرية ومنها قصائد لابن الرومي في وصف الطعام والفواكه ، كما ذكر انواع الحلويات واشار الى السمك <32>
اما ابن عبدالبر القرطبي (ت463هـ/1070م) فقد خصص في كتابه بهجة المجالس وانس المجالس بابا سماه " باب الطعام والاكل اشار فيه الى قضايا حضارية تتفق مع اسم كتابه ومنها ادب المائدة والمجالسة في الطعام وغسل اليد <33> ومن الكتب الاخرى كتاب سلوك السنن الى وصف السكن لابن ابي حجلة التلمساني (775هـ/1373م) وهو كتاب موسوعي اهتم فيه بالعمارة والسكن ويقع في (33) بابا خصص عدد من الابواب للطعام وهي : الباب (27) في الطباخ والقدور ونبذة عن حوائج الطعام وبعض العادات وانواع الاطعمة <34> وفي الباب (29) جعله لوصف السفره والخبز وانواع البقول <35> وفي الباب (30) خصصه للبقول وهو حلية الموائد على حد تعبيره <36> وجعل الباب (31) في انواع الاطعمة وذكر منافعها ومضارها <37> اما الباب (32) فقد خصصه للحلوى والمشروب <38> وذكر في الباب (33) اوصاف الولائم والزائر والمزور وادب المائدة <39> وهكذا عد التلمساني امور الطعام والمائدة جزءا من تخطيط المسكن وذكر الكثير من القضايا التي تخص ادب المائدة والمؤاكلة 0
ومن الكتب الاخرى في هذا الموضوع كتاب مكارم الاخلاق لرضي الدين ابو نصر الحسن بن الفضل الطبرسي (ق7هـ) فقد خصص الباب السابع من كتابه في الاكل والشرب وما يتعلق بهما <40>
ويقع في (13) فصلا وتكاد ابوابه وفصوله تكون نسخة ثانية من كتاب المحاسن للبرقي سوى بعض الاضافات التي اقتضتها طبيعة العصر الذي عاش فيه <41>


31) ابو منصور عبدالملك بن محمد بن اسماعيل الثعالبي : ثمار القلوب في المضاف والمنسوب ، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم ، دار نهضة مصر للطبع والنشر ، القاهرة 1965ص608
32) ابو اسحاق ابراهيم بن علي الحصري القيرواني : زهر الاداب وثمر الالباب ، دار الجيل بيروت ، ج3 ص341-342
33) يوسف بن عبدالبر القرطبي : بهجة المجالس وانس المجالس وشحذ الذاهن والهاجس تحقيق محمد مرسي الخولي ، بيروت ج2 ص72
34) احمد بن يحيى بن ابي بكر بن عبدالواحد بن ابي حجلة التلمساني : سلوك السنن الى وصف السكن مخطوط مصور اعمل في تحقيقه مع د0 جنان عبدالجليل ، الورقة 42أ و43ب
35) المصدر نفسه الورقة 48أ0
36) المصدر نفسه الورقة 48أ 0
37) المصدر نفسه
38) المصدر نفسه الورقة 51 أ
39) المصدر نفسه الورقة 53أ
40) الحسن بن الفضل الطبرسي : مكارم الاخلاق ، بغداد 1988 ص15541) نبيلة عبدالمنعم د

الجغرافية والطب

بسم الله الرحمن الرحيم

الجغرافية والطب
أ. نبيلة عبد المنعم داود
رئيس مركز إحياء التراث العلمي العربي
جامعـــــة بغـــداد

ان علم الجغرافية ما هو إلا حلقة اتصال بين علوم مختلفة كعلم طبقات الأرض، ومشاهد الطبيعة، وعلم الأرصاد الجوية، وعلم النبات، وعلم الاقتصاد، وان عده علما قائما بنفسه يكون ضربا من الوهم<1>.
إن أول من عرف الجغرافيا إخوان الصفا، قالوا: صورة الأرض وصفة الربع المسكون منها، وما فيه من الاقاليم السبعة، ومن البحار والجبال والبراري والأنهار والمدن<2>.
أما طاشكبري زادة فقد عرفه بأنه: علم يتعرف منه أحوال الاقاليم السبعة الواقعة في الربع المسكون من كرة الأرض وعروض البلدان الواقعة فيها وأطوالها، وكذا عدد مدنها وجبالها وبراريها وبحارها وأنهارها إلى غير ذلك من أحوال الربع المعمور.
ويتصل بها علم مسالك البلدان والأمصار، وهو علم باحث عن أحوال الطرق الواقعة بين البلاد وأنها برية أو بحرية عامرة أو غامرة سهلية أو جبلية مستقيمة أو منحرفة والعلامات المنصوبة لتلك الطرق من الجبال والتلال وأمثالها ومعرفة ما تلك المسالك من المخاوف الحيوانية أو النباتية.
وكذا علم معرفة البلد ومسافاتها، وهو علم يتعرف منه كمية مسالك الأمصار فراسخ وأميالا وأنها مسافة شهرية أو اقل أو أكثر.
ثم يتصل بها علم خواص الاقاليم وهو علم يتعرف منه ما في كل إقليم أو بلد من المنافع والمضار والعجائب والغرائب<3>.
ويقول داود بن عمر الأنطاكي، أن الجغرافية علم بأحوال الأرض من حيث تقسيمها الى الاقاليم والجبال والأنهار وما يختلف حال السكان باختلافه، ويرى أنها علم يوناني ولم ينقل له في العربية لفظ مخصوص<4>.
أما حاجي خليفة، فقال الجغرافية كلمة يونانية بمعنى صورة الأرض وهو علم يتعرف منه أحوال الاقاليم السبعة الواقعة في الربع المسكون من كرة الأرض وعروض البلدان الواقعة فيها وأطوالها وعدد مدنها وجبالها وبراريها وبحارها وأنهارها<5>.
ويبدو من هذه التعريفات وغيرها إن الجغرافية هي دراسة الأرض على أنها مسكن للانسان. ويمكن القول أنها عبارة عن دراسة البيئة الطبيعية للجنس البشري وليس بين العلوم ما يختص بدراسة هذه الناحية كعلم الجغرافية فالجيولوجي يدرس الصخور التي تتركب منها القشرة الأرضية، والعالم بالأرصاد الجوية يختص بدراسة أحوال المناخ والجو، والعالم النباتي بحياة النبات، والعالم بالحيوان يعنى بدراسة حياة الحيوان. أما الجغرافي فيحتاج إلى بعض الحقائق من كل علم بالقدر الذي يمكنه من دراسة الأنسان وحياته والدور الذي يلعبه في هذه الدنيا بشكل واضح ملموس<6>.
الجغرافي يعنى بدراسة سطح الأرض على أنها مسكن للانسان ولهذا عليه أن يحلل العوامل المختلفة التي تشكل البيئة الطبيعية ويدرس اثر كل عامل على حدة، ثم آثار كل العوامل مجتمعة في حياة الأنسان وصحته ونشاطه<7>.
يقول ياقوت، الجغرافية هي صورة الأرض يحتاجها الكل فالفقهاء يحتاجون إلى معرفة الأماكن التي فتحت عنوة أو صلحا وأمانا وقوة ولكل من ذلك حكم في الشريعة في قسمة الفيء واخذ الجزية لا يسع الفقهاء جهلها لأنها من لوازم فتيا الدين وضوابط قواعد الإسلام والمسلمين وأما أهل السير والأخبار والحديث والتواريخ والآثار فحاجتهم إلى معرفتها أمس من حاجة الرياض إلى القطار غب أخلاف الأنواء.
وأما أهل الحكمة والتفهيم والتطبيب والتنجيم فلا تقصر حاجتهم إلى معرفة عمن قدمنا فالأطباء لمعرفة أمزجة البلدان وأهوائها، والمنجم للاطلاع على معالم النجوم وأنوائها. ومن كمال المتطبب أن يتطلع إلى معرفة مزاجها وهوائها وصحة أو سقم منبتها ومائها وصارت حاجتهم إلى ضبطها ضرورية.
وأما أهل الأدب فحاجتهم اليها لأنها من ضوابط اللغوي ولوازمه وشواهد النحوي ودعائمه، ومعتمد الشاعر في تحليه جيد شعره بذكرها<8>.
والجغرافية أنواع منها الفلكية والوصفية والبحرية والتاريخية والإقليمية واللغوية<9>. ولسنا بصدد التوسع في الموضوع ولكن نتكلم بالقدر الذي يخص صلة الجغرافية بالطب والتي يمكن أن تكون فرعا جديدا أو نوعا جديدا من الجغرافية هو الجغرافية الطبية إذا جاز التعبير.
إن المصادر التي تقدم لنا مادة عن الموضوع هي المصادر الجغرافية وكتب الرحلات التي اعتمدت على المشاهدة والاستفادة من الكتب الجغرافية وان كان يصعب علينا أن نميز بين المشاهدة الفعلية وبين النقل من المؤلفات الجغرافية المكتوبة. ثم الكتب الطبية التي تعنى بصحة الأنسان والمحافظة عليها وإعادتها بالعلاج إذا فقدت.
ويضاف اليها مصادر أخرى تناولت الاقاليم وطبيعتها وعلاقة ذلك بصحة الأنسان وهي كتب الفلاحة التي تكلمت عن الاقاليم لعلاقة ذلك بالزراعة ونمو النبات وكذا بعض كتب الحيوان لعلاقة ذلك بمنشأ الحيوان ايضا، يضاف اليها الموسوعات التي تناولت فنون مختلفة قدمت من خلالها موضوعات تخص الجغرافية والطب والأدوية بأنواعها العشبية والحيوانية والمعدنية ومنها: موسوعة ابن فضل الله العمري، وموسوعة الوطواط، والنويري، والقلقشندي.
أن أول اهتمام للعرب المسلمين بالجغرافية بدأ عند رواة اللغة الذين تكلموا في البلدان والكثير من المظاهر الجغرافية والفلكية فتناولوا الأنواء الجوية والاهوية والأمطار والرياح والشمس والقمر وما إلى ذلك.
واللغة العربية غنية بالتعبيرات عما يتصل بالانسان والحياة المادية لسكان الجزيرة، كما انها غنية بما يتعلق بالارض والتضاريس والتربة ومظاهر المناخ من رياح وامطار وكثير من مظاهر الفلك وصلة ذلك بالانسان وصحته وكذا بالنبات والحيوان<10>.
كما عني القدماء من لغوي العرب بتحديد البلدان والبقاع الكثيرة الواردة في اشعار الجاهليين والاسلاميين واحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) والقوا فيها وسرعان ما دخل الميدان علماء لا يمتون الى السابقين بصلة، وعنوا بالبلدان والبقاع واتخذوا تحديدها علما قائما بذاته واطلقوا على مؤلفاتهم اسم الجغرافية<11>.
ومما يؤكد هذا ان ابن النديم ذكر في فهرسه مجموعة من كتب البلدان الفها علماء اللغة ولم يصلنا منها الا القليل ومنها:
· كتاب جبال العرب وما قيل فيها من الشعر: خلف الأحمر (ت180هــ).
· كتاب منازل العرب وحدودها واين كانت محلة كل قوم الى اين انتقل منها: ابو الوزير عمر بن مطرف (ت186هــ)<12>.
· كتاب الحنين الى الاوطان: ابو منصور محمد بن سهل بن مرزبان الكرخي<13>.
· كتاب المناهل والاعطان والحنين الى الاوطان: ابو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي (ت360هــ)<14>.
· كتاب الارضين: الحسن بن محبوب السراد (ت224هــ)<15>.
· كتاب البلدان: ابو حنيفة الدينوري (ت282هــ)<16>.
· كتاب البلدان الكبير: هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت204هــ).
· كتاب البلدان الصغير: هشام بن محمد بن السائب الكلبي.
· كتاب الاقاليم: هشام بن محمد بن السائب الكلبي<17>.
· كتاب البلدان: الجاحظ (ت255هــ).
وكتب اخرى كثيرة ذكرها ابن النديم واشارت اليها كتب الفهارس الاخرى ثم جاءت مرحلة تم فيها تأليف كتب جغرافية مفصلة ولا مجال لتعدادها هنا ولعل من اهمها والذي بلغ القمة هو كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي والذي كان له منهجه الخاص في ترتيبه وقد بين ذلك في مقدمة كتابه<18>.
تأثر ياقوت باللغويين في ترتيب الاسماء وضبطها وبيان العربي منها ومعنى الاعجمي، وفي تحديد ابعاد الاماكن بما جاورها من البقاع المشهورة والاستشهاد بالشعر على الضبط والتحديد وتأثر بالجغرافيين في ابانة اقاليم المواضع وخطوط طولها وعرضها وبالفلكيين في الكشف عن طالع كل منها تبعا للكوكب المستولي عليه، ويأخذ من التاريخ تاريخ المدن والمنسوبين اليها وفتح المسلمين لها ويستمد من المأثورات الشعبية كثيرا من القصص والاخبار المتعلقة ببناء هذه المدن وخصائصها وعجائبها<19>. كما الف رواة اللغة وعلماء العربية كتبا في الانواء والازمنة والمطر والرياح والسحاب والشمس والقمر، وقد عدد ابن النديم (20) كتابا باسم الانواء منها:

· كتاب الانواء للنضر بن شميل (ت204هــ)<20>.
· كتاب الانواء لابي محمد عبد الله بن يحيى بن كناسة (ت207هــ)<21>.
· كتاب الانواء لابن خرداذبة (ت300هــ)<22>.
· كتاب الانواء لحمد بن خلف بن وكيع (ت285هــ)<23>.
كما الفوا كتب اخرى في مواضيع متفرقة منهـــا:
· كتاب الرياح والهواء والنار لابن السراج من شيوخ المبرد.
· كتاب الازمنة لابن درستوية (ت347هــ).
· كتاب الصيف والشتاء للسجستاني (ت255هــ).
· كتاب علة انواع السنة وعلة الرعد والبرق والرياح والصواعق وعلة البرد المسمى برد العجوزة للكندي (ت260هــ)<24>.
· كتاب الرياح لابن قتيبة الدينوري (ت276هــ) ويقع في (31) بابا اما كتابه الانواء فيعد من اقدم واوسع الكتب، وقد صرح في مقدمة كتابه بأن الغرض منه الاقتصار على ما تعرف العرب في ذلك وتستعمله دون ما يدعيه المنسوبون الى الفلسفة من الاعاجم ودون ما يدعيه اصحاب الحساب فأني رأيت علم العرب بها هو العلم الظاهر للعيان الصادق عند الامتحان النافع لنازل البر وراكب البحر وابن السبيل<25>.
وقد فقد الكثير من هذه الكتب ولم يصلنا منها الا القليل الا ان الفضل يعود لاصحاب المعاجم لحفظ نصوص كثير من هذه الكتب.
ان معرفة العرب الواسعة بعلم الانواء دعت صاعد الاندلسي الى القول : ان ابرز مساهمة للعرب هو ما كان لهم من معرفة باوقات ومطالع النجوم والانواء والرياح والامطار وحسب ما ادركوه بفرط العناية وطول التجربة لاحتياجهم الى معرفة ذلك في اسباب المعيشة لا على طريق تعلم الحقائق ولا على سبيل التدرب في العلوم<26>.
وهكذا استمر علماء اللغة في التوسع في المواضيع التي تخص المفردات الجغرافية ومظاهرها وتوسعت المعلومات بمرور الزمن الا انها ظلت ضمن المفردة اللغوية واشتقاقها الا ان اهميتها كبيرة وتدل على معرفة علمية ودقيقة لايمكن الاستغناء عنها . هذه المادة استفاد منها الجغرافيون الكبار وضمنوها مؤلفاتهم التي تناولت مواضيع متعددة ومنها علاقة الجغرافية بالطب حيث قدمت تلك الكتب مادة عن الموضوع في وصفها البلدان والحالة الصحية فيها وفي تقسيمها العالم الى اقاليم لكل منها طبيعته وخصائصه التي يتاثر بها الانسان . فقدمت مادة للاطباء تساعدهم في علاج المرضى لان الطبيب على حد قول داود الانطاكي اذا علم حال الاقليم وما خص به اهله من الطوارئ سهل عليه علاجهم، ومعرفة الفصول عند الطبيب هي اوقات التغير من حاله الى غيرها في الزمان والهواء وذلك بحسب اوضاع البلد الواحد<27>.
اجمعت كل المصادر الجغرافية ان الارض تنقسم الى سبعة اقاليم وبينت حدود كل اقليم وما هي المدن التي تقع ضمنه وطبيعة مناخه واثر ذلك على تكوين الانسان وصحته ونشاطه.
فابن رسته يقول ان الاقاليم سبعة ويحدد كل اقليم والمدن التي تقع ضمنه ويقول ماراءها فارض مجهوله لم يصل اليها احد فلا يعلم ما فيها من نبات وحيوان، ولكنه يقول وقد نعلم اضطرارا انه غير ممكن ان يكون في المطالع التي يفرط حرها او بردها حيوان او نبات<28>.
ويقول ايضا: كل المواضع والبلدان تختلف حالاتها وحالات اهلها وما يحدث فيها انما يكون ذلك على قدر قرب الشمس منها، وبعدها منهم ومن اجل ذلك ان الترك لبعدهم عن مدار الشمس عند صعودها وهبوطها كثرت الثلوج فيهم وغلبت الرطوبة والبرودة على اراضيهم فاسترخت لذلك اجسادهم وغلظت وصارت شعورهم سبطة والوانهم بيضاء حمرا وغلب على طباعهم البرد وذلك لبرد اهويتهم فان المزاج البارد يولد لحما كثيرا. اما حمرة الوانهم فان البرد يجمع الحرارة ويظهرها حتى ثرى ويستدل على ذلك بما يرى في القوم الذين في ابدانهم لحما كثير والوانهم بيض اذا اصابهم البرد احمر وجوههم وشفاههم واصابعهم وارجلهم لان الحر والدم الذي يكون فيه منتشرا يجمعه البرد ومن اخلاق هذه الناحية الجفاء وقطيعة الرحم وقلة اليقين<29>.
اما البلاد التي تكون الشمس على سمت رؤسهم فتخشن اهويتهم وتحرقهم وتكثر الحرارة فيهم واليبس فيهم فلهذه العلة صارت الوانهم سوداء وشعورهم قططة وابدانهم يابسة نحيفة وطباعهم حارة وكذلك دوابهم واشجارهم ومن اخلاق اهل هذه الناحية الجفاء والذكاء<30>.
ويذكر ابن رسته ان القوم التي لاتبتعد الشمس عن سمت رؤسهم ولاتقرب منهم مثل بابل ونحوه من البلدان ولكن ممرها معتدل عليهم فان هوائهم حسن التمزيج وموضعهم معتدل ليس فيه حر شديد ولابرد شديد والوانهم وابدانهم وطباعهم معتدلة وعقولهم واخلاقهم حسنة وقد كثر فيهم العلم والذكاء<31>.
وهكذا فالاجسام والصور والالوان والعلوم والاخلاق متباينة مواضعهم من مدار الشمس ولاختلاف ازمان السنة وتغيرها عليهم صار لكل موضع خاصية ليست لغيرها وطبيعة في اختلاف صور الناس وما يكون فيها من الحيوانات والنبات والمعادن والحر والبرد والمياه والعيون والسنن والدين والاخلاق وسائر الاشياء التي ليست لغيرها من المدن.
اما الحسن بن احمد بن يعقوب الهمداني فقد اشارة الى نفس الموضوع وخصص بابا سماه في طبائع اهل العمران من الارض على الجملة وقد ذكر تاثير الشمس على الاقوام فذكر الحبش وصفاتهم وابدانهم سود وشعورهم سوداء جعدة و وجوههم قحلة وجثثهم قصيفة وطباعهم حارة وخلاقهم في اكثر الامر وحشية لدوام الحر في مسكنهم واتصاله بهم وذلك لمرور الشمس على سمت رؤسهم<32>.
ثم يعطي مواصفات القوم الذي تبعد الشمس عن سمت رؤسهم يغلب عليهم البرد ويصل اليهم من الرطوبة شيء كثير ولم تكن هناك حرارة تنشفها صارت الوانهم بيضاء وشعورهم سبطة وابدانهم عظيمة وطباعهم مائلة الى البرد واخلاقهم وحشية لدوام البرد في مواضع مساكنهم واتصاله كلما وجد فيهم فهو موجود في دوابهم وثمارهم من العظم والقوة واختلاف التاليف<33>.
اما الذين يسكنون الوسط من الاقاليم الذين لاتصل الشمس الى سمت رؤوسهم ولم يكن بعدها عنهم اوقات انتصاف النهار بعدا كثيرا فمزاج هوائهم معتدلا لا يعرض له تغير كثير من الحر والبرد لذلك صارت الوانهم متوسطة ومقادير ابدانهم معتدلة وطباعهم حسنة المزاج ومساكنهم متصلة واخلاقهم انيسة<34>.
واشارت كتب المسالك والممالك الى هذه الحقائق دون ان تقسم العالم الى اقاليم بل الى مسالك وسكك وذكرت مواصفات هذه الممالك وطبيعتها واثر تلك الطبيعة على صحة الانسان كما فعل ابو القاسم عبيد الله بن عبد الله المعروف بأبن خرداذبة (ت300هــ).
أما أبو إسحاق الاصطخري (ت346هـ) فرغم انه سمى كتابه الأقاليم ألا انه لم يقسمه كما فعل من سبقه ومن جاء بعده بل ذكرها كمسالك للطرق بين البلدان وإشارة إلى تأثيراتها على جسم الأنسان وشكله وكذا النبات والحيوان.
وذكر المؤرخ و الجغرافي، أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت346هـ) في كتابه أو تاريخه مروج الذهب ومعادن الجوهر بابا لذكر الأرض والبحار ومبادئ الأنهار والجبال والأقاليم السبعة وما والاها من الكواكب. إشارة إلى الأقاليم بشكل مختصر جدا فقال:
الاقليم الأول ارض بابل، والثاني الهند والسند والسودان، والثالث ومكة والمدينة واليمن، والرابع مصر وافريقية، والخامس الشام والروم، والسادس الترك والخزر و الديلم، والسابع الديبل والصين ولم يذكر طبيعة كل إقليم ولم يفصل في مدنه<35>.
ولكنه خصص أبوابا أخرى هي: ذكر أرباع العالم والطبائع الأربع وإشار ايضاً إلى علة عدم سكن بعض الأرض لعلتين إحداهما إفراط الحر وإحراق الشمس، والعلة الأخرى بعد الشمس عن الأقاليم فزاد إفراط البرد في الجو حتى أزال حسن الاعتدال فصارت البلاد قاعاً صفصفا من الحيوان والنبات<36>.
وإشارة المسعودي إلى أجناس الأجسام واثر قرب الشمس وبعدها من سمت رؤوسهم فذكر علة أشكال السودان والترك والصقالية وعلة البيضان بشكل مختصر وهو لا يختلف عما مر بنا سابقا ويبدو أن للمسعودي كتبا أخرى في هذا الموضوع لذلك أشار إليه في كتابه هذا بشكل مختصر<37> .
ثم يعود إلى ذكر أرباع العالم والطبائع ويعتمد في ذلك على الأطباء وبشكل خاص على ابقراط . فيقول: زعم جماعة ممن تقدم وتأخر من الأطباء ومصنفي الكتب في الطبيعيات أن للطعام ثلاث انهضامات، أما الأول فهي المعدة فإنها تهضم الطعام فتأخذ قوته فيصير مثل ماء الكشك ثم تدفعه إلى الكبد ثم يدفعه الكبد في العروق إلى جميع الجسد كاندفاع الماء في النهر إلى السواقي فتهضمه أعضاء الجسد التالية فتصيره إلى شبهها للحم لحما والشحم شحما وكذلك العروق والعصب وما سوى ذلك وان اقتارها إذا استوت استوت أقدار القوى وإذا استوت القوى استوت الجسد واعتدل ويصح بأذن الله تعالى .
ويقول: أن الزمان أربعة فصول الصيف يقوي المرة الصفراء ويكثر اهتياجها.
والخريف يقوي السوداء.
والشتاء يقوي البلغم.
والربيع يقوي الدم.
ويقسم عمر الأنسان أربعة أقسام الصبا والشباب والكهولة والشيخوخة.
كما أن البلدان تنقسم اربعة أقسام المشرق وطبيعة الحرارة والرطوبة وفيه يقوي الدم.
والجنوب وطبيعته البرودة واليبس وفيه تقوى المرة السوداء.
والغرب طبيعة البرودة والرطوبة وفيه يقوى البلغم والتيمن وطبيعته الحرارة واليبس<38> .
ويقول ينبغي أن يكون كل شيء في هذا العالم مقدراً على سبعة أجزاء فالنجوم سبعة والأقاليم سبعة والأيام سبعة وأسنان الأنسان سبعة: أولها طفل ثم صبي آلى اربعة عشر سنة ثم غلام (21) سنة ثم الشباب مادام يشب ويقبل الزيادة إلى (35) سنة ثم كهل إلى الأربعين ثم شيخ إلى (47) سنة ثم هرم إلى أخر العمر<39>.
ثم يشير إلى الهواء وأثره في الأنسان والحيوان وان تغير حالات الهواء يغير حالات البشر مرة إلى الغضب وأخرى إلى السكون وثالثة إلى الهم والسرور وغير ذلك وإذا استوت حالات الهواء استوت حالات البشر.
وان قوى النفس تابعة لمزاجات الأبدان، ومزاجات الأبدان تابعة لتصرف الهواء. فإذا تغير الهواء تغير بتغيره كل شيء فمن تقدم وعرف أحوال الأزمنة وتغيرها والدلائل التي فيها عرف السبب الأعظم من أسباب العلم وتقدم في حفظ صحة الأبدان.
ثم يبين تأثير الرياح على الأجسام فالجنوب ترخي الأبدان والعصب وتورث الكسل وتحدث ثقلا في السماع وغشاوة في البصر أما الشمال فتصلب الأبدان وتصح الأدمغة وتحسن اللون وتصفي الحواس غير إنها تحرك السعال ووجع الصدر<40>.
أما كتاب التنبيه والأشراف فيقدم معلومات مشابهة لما ذكره في مروج الذهب ويتكلم عن الفصول والرياح وتأثيراتها على الأنسان والنبات والحيوان ولكن بشكل مختصر ويعطي أمثلة على تأثير الرياح ويركز على مصر والعراق<41>.
ثم يخصص موضوعا لذكر الأرض وشكلها ويتكلم عن أرباع العالم ويصف سكان كل ربع وهو في وصفهم لا يختلف عما ذكره في مروج الذهب وعند من سبقه ولكن بشكل مختصر<42>.
ولعل اختصار المسعودي لهذه المعلومات وغيرها يعود إلى انه استوفى الكلام عنها في كتبه المختلفة التي لم تصلنا ومنها الكتاب الذي يخص موضوع البحث وهو كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف. فهو ما أن يبدأ بحديث عن موضوع ما ألا يختصره ويقول نكتفي بهذا القدر لانا استوفينا الكلام عنه في كتبنا ويذكر اسم الكتاب الخاص بالموضوع.
وتناول أبو بكر احمد بن محمد الهمداني المعروف بأبن الفقيه (ت365هــ) في كتابه مختصر البلدان الأقاليم السبعة وذكرها بشكل مختصر وذكر خصائص بعضها واغفل الآخر.
تكلم عن الاقليم الأول، وقال سكانه سود قباح الوجوه عراة كالسباع وأعمارهم طويلة ودوابهم وطيورهم أعظم من عامة البهائم والطير وهناك رقى وعقاقير وأحجار فيها شفاء ومنافع طبيعية. ثم اكتفى بتحديد بقية الأقاليم وما يوجد فيها من عقاقير لم يذكر ما هي<43>.
وبدأ ياقوت بن عبد الله الحموي (ت626هــ) كتابه معجم البلدان بالكلام على الأقاليم السبعة وذكر خطوط الطول والعرض والمدن الداخلة في كل إقليم والبروج الخاصة به، ولا يذكر خصائص كل إقليم بل يكتفي بالتحديد ويذكر خصائص البلدان في موضعها كما وردت على حسب ترتيب معجمه<44>.
وأشار عبد الله محمد بن أبي بكر الزهري، أبو عبد الله (ت أواسط ق6هــ) فقد ذكر الأقاليم بشكل مختصر جدا واكتفى بذكر المدن الواقعة فيها فقط دون ان يذكر خصائصها<45>.
وتناول زكريا بن محمد بن محمود القزويني (ت682هــ) موضوع الأقاليم بأسلوب يخالف من سبعة حيث ذكر صفات الأقاليم وخصائصها وما له علاقة بصحة الأنسان بشكل عام في المقدمة الثانية من كتابه التي سماها في خواص البلاد فقال: الأرض شرق وغرب وجنوب وشمال فما تناهى في التشريق مكروه لفرط حرارته وشدة إحراقه فأن الحيوان بها والنبات لا ينبت. وما تناهى في الشمال مكروه لما فيه من البرد الشديد الذي لا يعيش الحيوان معه وكذلك ما تناهى في الجنوب مكروه لفرط الحرارة والذي يصلح للسكنى من الأرض أوساط الاقليم الثالث والرابع والخامس.
ويتكلم عن صفات المساكن الحارة فهو موسعة للمسام مرخية للقوى محللة للروح أبدان سكانها متخلخلة ضعيفة وقواهم ضعيفة لضعف هضمهم.
والمساكن الباردة مصلبة للبدن مسددة للمسام مقوية للحرارة الغريزية. والمساكن الرطبة سكانها موصوفون بالسحنة الجيدة ولين الجلود والاسترخاء وكلال القوى. ومثلها المساكن الاجامية والمساكن اليابسة تسدد المسام وتورث النحول، وأدمغة أهلها يابسة لكن قواهم حادة<46>.
وخصص القزويني المقدمة الثالثة في أقاليم الأرض وذكر طبيعتها ومناخها والمدن التي تقع ضمن كل إقليم وخصائصه وعلاقته بحياة الأنسان وسوف نشير إليها في مواضعها<47>
ومن المصادر التي تناولت الأقاليم غير كتب الجغرافية، كتب الفلاحة وسنشير الى نماذج منهـــــا:
كتاب الفلاحة لابن بصال أشار إلى الاقاليم في الباب الثامن من كتابه الخاص بتركيب الاشجار ذكر الاقاليم السبعة واهويتها وطبائعها وأشار إلى نفس الخصائص التي أشار اليها الجغرافيون إلا انه ركز على ما يخص الزراعة وقال: ومما يستعان به على علم التركيب معرفة الاقاليم السبعة واهويتها وبعدها من الشمس وقربها. فلما كان الاقليم الاول مخصوص بالحرارة واليبوسة بقرب الشمس منه لا يجود فيه من الشجر ألا ما كثر دسمه وقويت رطوبته مثل شجر اللبان والفلفل.
ثم يورد بقية الاقاليم وما ينبت فيها من الشجر وبعض العقاقير<48> وممن ذكر الاقاليم ايضا الطغنري الاشبيلي في كتابه زهرة البستان ونزهة الأذهان وقال إن الاقاليم المسكونة سبعة مقسومة على الكواكب السبعة وذكر خصائص الاقاليم وطبيعتها وهو لا يختلف عن وصف الجغرافيين.
ثم ذكر فصلا في مشابهة الأرض للانسان يقول...... ان كبدها ما كان فيه من الطين الأحمر ودمها ما كان فيه من المغرة وطحالها ما كان فيه من الطين الأسود واللحمات، ومرارتها ما كان فيها من الزرانيخ والكباريت، ومفاصلها ما كان فيها من الجبال، وإضلاعها وعظامها ما فيها من الرخام، ورئتها ما كان فيه من الطَّفل**، وأمعاءها ما كان فيها من الأنهار العظام، وعروقها ما كان فيها من الميازب والسواقي، ونفسها ما كان فيها من الأملاح اللطيفة، وروحها ما كان فيها من المعادن الجوهرية من الذهب والفضة ودماغها ما كان فيها من الجص والجير، وشعرها ما كان قيها من الشعاب، ووجها ما كان فيها من الرياض والأزهار والنبات الحسن<49>.
فهو حين يتناول الاقاليم يهمه تأثيرها على الزراعة ونمو النبات وتناولت كتب الحيوان موضوع الاقاليم وتأثيراتها على نمو الحيوان وكل ما يتعلق به. ومن أمثلة ذلك ما ذكره شرف الزمان طاهر المروزي في الكلام عن الاقاليم وخصائصها<50>.
وكذلك تناول الموضوع زكريا القزويني فاشار إلى الاقاليم ولكن بشكل موجز جدا واكتفى بتعدادها وحدودها وتأثير الاهوية على الحيوان وخواص الشمس وتأثيرها في القرب والبعد وهي نفس الأوصاف التي مرت بنا في مؤلفات الجغرافيين<51>.
وفي العصر المملوكي ظهر نمط جديد في التأليف هو فن الموسوعات التي جمعت الثقافة العربية الإسلامية بأطر مختلفة. فمحمد بن إبراهيم الوطواط يمثل في كتابه مباهج الفكر ومناهج العبر إحدى موسوعات العلوم الطبيعية والجغرافية ولكن بأسلوب أدبي موضح بالشواهد الشعرية وتضمن اربعة فنون: الفلك والأجرام السماوية، الجغرافية، الحيوان، النبات<52>.
أما النويري فجمع موسوعته نهاية الأرب في فنون الأدب فنون مختلفة في إطار أدبي. وجمعها ابن منظور في لسان العرب بإطار لغوي، ثم استفاد القلقشندي من كل هولاء وقدم موسوعته صبح الأعشى في صناعة الانشا بإطار ديواني<53>.
وقد وصف الوطواط الاقاليم وحدودها وتأثيرها على الأنسان كما بين تأثير المساكن على ساكنيها وتأثيرها في الخلق والأخلاق يقول: من سكن الجبال الشامخة ومر عليه في مسكنه الأزمان الأربعة واغتدى بالاجبان والألبان وسائر ما يعمل من اللبن واكل ما يصاد من الجبال وما ينبت فيها من الجوز والبلوط كان الاغلب على اهله الشقرة وسواد الشعر وشدة الابدان وعبلها. وان كان منهم من ثبت لازمان السنة كان فيهم ذلك اظهر، وان كانوا ممن تحرك بين يدي الزمان كانوا اشبه باهل الاعتدال والكرد وهولاء كلهم حارون بالحرارة الطبيعية<54>.
اما ابن منظور محمد بن مكرم الافريقي فقد تناول الاقليم ومعناه لغويا كما اشار الى خصائص بعض البلاد وبيئتها الصحية<55>.
وقدم شهاب الدين احمد بن عبد الوهاب النويري في موسوعته نهاية الارب في فنون الادب مادة عن الاقاليم وخصائصها معتمدا في وصفه لها على مؤلفات الجغرافية التي مرت بنا<56>.
كما اشار الى الفصول الاربعة وتاثيراتها على الانسان وصحته وهي تشابه ما قدمه كل من المسعودي والقزويني<57>.
اما احمد بن يحيى بن فضل الله العمري فقد قدم مادة واسعة عن الاقاليم وخصائص البلدان وطبيعتها وتاثير ذلك على صحة الانسان في موسوعته مالك الابصار في ممالك الامصار وهي جغرافية في اكثرها وتقع في (27) مجلدا . وقد عاصر ابن فضل الله كلا من النويري وابن منظور .
ان المواد المتنوعة التي قدمها ابن فضل في كتابه تدل على سعة اطلاع وتاثر بعصره الذي يصح ان نسميه عصر الموسوعات ولم نشر الى هذه النصوص لانه لاجديد فيها فهي شبيهه بما تقدم وانها تمثل المعرفة العلمية المتراكمة<58>.
كما تكلم ابو العباس احمد بن علي القلقشندي في موسوعته صبح الاعشى في صناعة الانشاء على الاقاليم السبعة ثم قسم كل مملكة الى اقاليم متعددة وسمى السبعة الاقاليم العرفيه<59>.
وقدم القلقشندي مادة واسعة لانه استفاد من كل الموسوعات التي سبقته وكان امينا في الاشارة اليها<60>.
وقد اكثرت كتب الجغرافية في ذكر ذكر خصائص البلدان الطبيعية وتوسعت في بعضها وعلاقتها بصحة الانسان وهي كثيرة جدا لا يتسع المجال لذكرها وسنكتفي ببعض الامثلة عن ذلك.
وصفت كتب الجغرافية الاقاليم ومواقعها ومناخها وتاثير ذلك على سكانها وصحتهم واشارت في بعض الاحيان الى وصف الاطباء لها وبعض النصائح الطبية.
كما قدمت كتب الجغرافية معلومات موجزة ومفصلة احيانا عن الادوية والعقاقير بانواعها العشبية والمعدنية والحيوانية واشارت الى استخدامها كعلاج لبعض الامراض.
هذه المعلومات التي قدمتها المصادر الجغرافية والمصادر ذات الصلة ضرورية للاطباء لتساعدهم في معالجة المرظى لان معرفة طبيعة الاقليم من قبل الطبيب تساعده في العلاج كما اشار الى ذلك الانطاكي في تذكرته.
وقبل ان نعطي بعض الامثلة لابد ان نشير الى كتب الانواء وعلاقتها بموضوع الصحة ونشير الى كتابين هما:
كتاب الانواء في مواسم العرب لمحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الذي اشار فيه الى الرياح ومهابها وخصص بابا لافعال الرياح وتاثيراتها كما اشارة الى الفصول الاربعة وخصائصها<61>.
ثم ذكر ابن عاصم في كتاب الانواء والازمنة ومعرفة اعيان الكواكب وهو لايختلف عما ذكره ابن قتيبة في باب الرياح ووصفها وتاثيرها<62>.
ومن الامثلة التي اشارت اليها كتب الجغرافية ما ذكره ابن رسته في وصف اصفهان قال: اما هواها فهواء قد اجمع على طيبة كل من وردها من الحكماء والفلاسفة والاطباء.
ثم يشير الى مافيها من المعادن والعقاقير التي تنفع في العلاج وكذلك الاعشاب ففيها السكبينج من قرية تسمى مورجة خرت وعليه تعتمد الاطباء ويدخلونها في كبار الادوية.
وبها حمتان لايستنفع بها احد وقد شبكته الرياح، وبه مكة او بتور الا اعقب الصحة<63>.
ويذكر ابن خرداذبة بعض العقاقير التي تجلب من الهند مثل الكافور والجوزبوا والقرنفل والقاقلة والكبابة وغيرها<64>.
وحين يتكلم عن عجائب البلدان يقول: ومن اقام بقصبة الاهواز حولا فتفقد عقله وجده ناقصا ولا يوجد بها احد له وجنة حمراء والحمى بها دائمة. وذكر الجاحظ ان عدة من قوابل الاهواز خبرنه انهن ربما قبلن المولود فيجدنه محموما.
ويذكر ان من دخل بلاد الزنج فلابد من ان يجرب ومن اطال الصوم بالمصيصة في الصيف هاج به المرار الاسود وربما جن. ومن سكن البحرين عظم طحاله، قال الشاعر:

ومن يسكن البحرين يعظم طحاله
ويحسد بما في بطنه وهو جائع<65>

ويخصص الهمداني بابا لنبات اليمن يذكر ما فيها من الحشائش والزهور، ويقول وفيها اكثر حشائش العقار ولكن اهلها البدوية لا يعرفونها وانما يعرفها الحكيم من الناس من اهل صناعة الطب<66>.
ويؤكد هذا في موضع آخر ويقول ومن عجائب اليمن ان اكثر زروعها اعقار<67>. ويذكر عدة عقاقير بنجران ومنها وهو نبات يسمى القَصَاص وهو حالق للبواسير<68>.
اما المسعودي فاشار الى عدة امور بدأها من التاريخ القديم ذكر امور طبية ففي حديثه عن ملوك الفرس اشار الى اول ملوكهم وهو كيومرث وذكر انه اول من امر السكوت عند الطعام لتأخذ الطبيعة بقسطها فيصلح البدن بما يرد اليه من الغذاء وتسكن النفس عند ذلك فتدبر كل عضو من الاعضاء تدبيرا يؤدي الى ما فيه صلاحه من اخذ صفو الغذاء فيكون الذي يرد الى الكبد وغيره من الاعضاء القابلة للغذاء ما يناسبها وما فيه صلاحها. فأن الانسان متى شغل عن طعامه بضرب من الضروب انصرف قسط من التدبير الى حيث انصباب الهمة ووقوع الاشتراك فاضر ذلك بالنفس الحيوانية والقوى الانسانية<69>.
وفي موضوع انواع الطعام يقول هي (8) اولها العذب والملح والدسم والحلو والمر والقابض والحريف ومنهم من قال (7) او ستة او اكثر ثم يفصل الكلام في قوى المياه وما قيل فيها:
يقول: الماء العذب مغذ وان كان سخنا وانه ينقي الجسد وان استعمل اكثر مما يحتاج اليه فأنه يرخي الاعضاء ويضعفها والماء البارد يشد الاعضاء ويقطع العطش والزيادة منه تخدر الجسد وتميته. والماء الاجاج ينفع من سدد الكبد والطحال.
والماء الكبريتي ينفع الجراح والقروح العتيقة والحكة وما الحديد نافع من الاسترخاء في الاحشاء وما بطن من الاوعية وماء الجص يشنج المعدة ويقبضها ويكرشها ثم يخلص الى ان اصح المياه للاجساد الماء الابيض البراق الذي يخرج من جبال الطين من مشرق الشمس نحو مغربها<70>.
ويكتفي بهذا ويقطع الكلام ويقول: "وليس كتابنا هذا موضعا له" فأنه جغرافي ولكنه تكلم في الطب مما يدل على صلة الجغرافية في الطب عند اكثر الجغرافيين كما مر بنا.
ويذكر رسالة لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بعد فتح بلاد الشام والطراق انه بعث الى حكيم من حكماء العصر يسأله عن طبيعة البلدان فكان جواب الحكيم: ان الله تعالى قسم الارض اقساما شرقا وغربا وشمالا وجنوبا. فما تناهى في التشريق فهو مكروه لاحتراقه وناريته وحدته. وما تناهى مغربا وشمالا اضر ببرده وقره وثلوجه وآفاته بالاجسام فاورثها الالام وما اتصل بالجنوب احرق بناريته وما اتصل به من الحيوان..... لذلك صار المسكون من الارض جزءا يسيرا ناسب الاعتدال. ثم يصف كل بلد على حد طبيعته واثرها على سكانه:
قالشام سحب وآكام وريح وغمام ترطب الاجسام وتبلد الاحلام وتصفي الالوان. ومصر هواءها راكد وحرها زائد وشرها وارد تكدر الالوان وتجنب الفطن وتكثر الاحن.
والحجاز هواؤه حرور وليله سمور ينحف الاجسام ويخفف الادمغة، والعراق منار الشرق وسرة الارض وقلبها وعنده وقف الاعتدال فصفت امزجة اهله ولطفت اذهانهم واحتدت خواطرهم.....
اما الجبال فتخشن الاجسام وتغلظها وتبلد الافهام وتقطعها لما هي عليه من غلظ التربة ومتانة الهواء وتكاثفه واختلاف مهابه وسوء متصرفاته.
ثم يتوصل بعد ذلك الى ان الاخلاق والصور تناسب البلد وتحاذيه وتقاربه وتوافقه وتضاهيه وكل بلد اعتدل هواؤه وخف ماؤه ولطف غذاؤه كانت صور اهله وخلائقهم تناسب البلد وتحاذيه، وكل بلد يزول عن الاعتدال انتسب اهله الى سوء الحال<71>.
وخصص ابن الفقيه الهمداني في مختصر البلدان بابا في مدح البناء يتفق فيه مع ما اورده الاطباء فيقول:
كل مدينة موضوعة في جهة المشرق هي اشد اعتدالا واقل اسقاما لأن الشمس تصفي المياه التي تجري فيها، والمدن الموضوعة بازاء الغرب يكثر امراض اهلها لأن مياههم كدرة متغيرة وهواءهم غليظ.
والمدن الموضوعة على جهة الجنوب تكون مياهها حارة كدرة متغيرة تسخن في الصيف وتبرد في الشتاء وابدان اهلها رطبة لينة لا يقدرون على الاكثار من الطعام والشراب لضعف رؤوسهم ويعرض لهم الحميات الحارة.
والمدن الموضوعة جهة الشمال مياهها يابسة واهلها اقوياء اشداءواعمارهم طويلة لصحة ابدانهم ويكثرون الشراب اما سكان ناحية الجنوب فهم سود جعاد خفاف اللحوم.
ثم يبين تأثير الرياح الاربعة على كل ناحية من النواحي واثرها في اعتدال الامزجة والعقول والاخلاق<72>.
وينقل من كتاب ابقراط الاهوية والبلدان فيقول: ما كان من الامصار مقابل شرق الشمس فرياحه سليمة وماؤه عذب.
والمياه التي تنبع من الروابي والتلاع افضل المياه واصحها وهي عذبة وبلدانها اصح البلاد.
ويقول ان اصح البلاد ما كان على الجبال والاماكن التي تواجه مهب الصبا. وما كان في قعور واغوار ومواجهه لرياح الجنوب او الدبور فهي مواضع ردية مولدة للامراض.
ثم يذكر امورا اخرى تخص المنازل وتخطيطها فاحسن الدور ما كانت على طريق نافذ وماؤها يخرج وليس عليها مستشرف وحدودها لها وتكون بين الماء والسوق ويصلح فناؤها لحط الرحال وبل الطين وموقف الدواب وان كان لها بابان فذاك امثل<73>.
وذكر الشريف الادريسي، محمد بن محمد بعض المعلومات عن الادوية والعقاقير والمواد التي يعالج بها.
فحين يتكلم عن قرية انقال* يذكر ان بها الكثير من النعام الذي يحمل منها الى كل البلاد ويقول عنها وطعامهم وخيم يفسد المعدة. اما لحوم النعام فلحوم باردة يابسة وشحومها نافعة عندهم من الصمم تقطير ومن سائر الاوجاع البدنية<74>.
وحين يتكلم عن مدينة بجاية يقول: ولها من جهة الشمال جبل صعب الموتقى ومن أكنافه جمل من النبات المنتفع به في صناعة الطب مثل الحضض والزراوند وغيرها<75>.
ويذكر الزهري بعض المواد الطبية النافعة في علاج الامراض عند ذكؤره جزيرة سكاكين التي ينبت فيها شجر البلسان وان زيته اشارت الاطباء الى منافعه وانه يصلح اجسام البشر<76>. ويشير في مواضع اخرى الى ادوية وعقاقير سنذكرها في بحثنا عن ذلك.
وتناول ابن سعيد المغربي صفة البلدان وطبيعتها وعلاقة ذلك بالصحة كما اشار الى البلدان التي تحوي الادوية والعقاقير ففي وصفه لمدينة مراكش يقول: حاضرة المغرب بنيت في ارض صحراوية وجلب لها الماء وكثر وضمها ولا يكاد غريب يخلص فيها من الحمى<77>.
اما القزويني فقد اشار الى طبائع البلدان لكنه اكثر من وصف البلدان التي تكثر بها الادوية والعقاقير على مختلف انواعها العشبية والمعدنية والحيوانية ووصف صلاحيتها لعلاج بعض الامراض ولعل ذلك يعود لعنايته بالطب اضافة الى الجغرافية وعلم الحيوان<78>.
وحين يتكلم عن الاهواز يقول صيفها لا يفارق الجحيم ومن محنها شدة الحر وكثرة الهوام الطيارة والحشرات القتالة لاترى فيها وجنة حمراء وهواؤها قتال خصوصا للغرباء لا تنقطع حماها ولا ينكشف وباؤها البتة واهلها في عذاب اليم. ومن تمام محنهم ان مأكول اهلها الرز وهم يخبزونه كل يوم لانه لا يطيب الا مسخنا فيسجر كل يوم في ذلك الحر الشديد خمسون الف تنور فيجتمع حر الهواء وحر النيران ودخانها والبخار المتصاعد من سباخها ومناقعها ومسايل كنفها ومياه امطارها فاذا طلعت الشمس ارتفعت نجاراتها واختلطت بهوائها فيفسد الهواء أي فساد ويفسد بفساده كل ما اشتمل عليه<79>.
وقدم محمد بن عبد المنعم الحميري مادة عن وصف البلاد وعن بعض الادوية وبيئة بعض المدن وقدم معلومات مشابهة لما سبق لذلك آثرنا عدم ذكرها خوفا من التكرار.
تكلم عن الاهواز والبحرين وجزيرة انكال بارض المغرب وبسطة بالاندلس وغيرها<80>.
كما ان النويري اشار الى نفس المدن ونفس الخصائص التي سبق وان ذكرناها وتاثيراتها على الصحة<81>.
هذا ماقدمته المصادر الجغرافية من نصوص وهي كثيرة جدا لانستطيع الاحاطة بها في هذا المجال فلذلك اكتفينا ببعضها ولانها تكررت في المصادر وقد اثرنا ترتيبها على تسلسل وفيات مؤلفيها واختصرنا اكثرها تجنبا للتكرار .
ان هذه المعلومات التي قدمتها المصادر الجغرافية ذات صلة وثيقة بالطب لايستطيع الاطباء الاستغناء فهي التي تساعدهم على معرفة الامراض لتسهيل عليهم سبل العلاج.
الا ان المادة التي قدمتها المصادر الجغرافية على اهميتها عليها مآخذ ففيها الكثير من الاساطير والمبالغات التي حاولنا الابتعاد عنها قدر الامكان. كما ان اكثر الكتب الجغرافية طابعها التعميم في ذكرها للمعلومات فهي تقول مثلا ان هذا البلد يمتاز بكثرة الادوية والعقاقيلر ولكن لاتحدد ماهي. او ان تقول هذا البلد وبئا كثير الامراض ولاتحدد ماهي، ومع ذلك فقيمة معلوماتها كبيرة تؤكد الصلة الوثيقة بين الجغرافية والطب وهي مع المعلومات التي تقدمها المصادر الطبية التي سنأتي على ذكرها تكون بمجموعها فنا ًمن فنون الجغرافية هي الجغرافية الطبية. ونعود الان الى كتب الطب وصلتها بالجغرافية وحاجة الطبيب الى هذا العلم.
والطب هو علاج الجسم والنفس. والطبيب، هو الماهر الحاذق بالامور وكل وكل حاذق يعلمه طبيب عند العرب وبه سمى معالج المرضى العالم بالطب طبيبا .
يقول ابن ابي اصيبعه: صناعة الطب من اشرف الصنائع واربح البضائع وقد ورد تفصيلها في الكتب الالهية والاوامر الشرعية حتى جعل علم الابدان قريبا لعلم الاديان.
ويقول ايضا: وقالت الحكماء ان المطالب نوعان خير لذة وهذان الشيئان انما يتم حصولها للانسان بوجود الصحة لان اللذة الستفادة من هذه الدنيا، والخير المرجو في الدار الاخرى لايصل الواصل لها الا بدوام صحته وقوة بنيته وذلك انما يتم بالصناعة الطبية لانها حافظة للصحة الموجودة ورادة للصحة المفقودة<82>.
وحفظ الصحة من المعارف الاولى التي تنسب الى البشرية وقدتجلى ذلك في مظاهر بسيطة فالاتقاء من الحر والبرد والاستراحة بعد التعب وممارسة الرياضة<83>.
والف الاطباء الكثير في موضوع حفظ الصحة ورد الصحة المفقودة وتوصلوا الى ذلك بوسائل مختلفة لسنا بصدد الكلام عنها بل مايهمنا اهتمام الاطباء بالبيئة والمسكن والمناخ وبقية الظواهر الجغرافية فقط .
لقد تناول هذا الموضوع عدد كبير من الاطباء سوف نختار بعضا منهم لان المجال لايتسع لذلك.
ونبدا بالطبيب ابي زيد البلخي وهو طبيب وجغلرافي في ان واحد وقد اعطى اهمية كبيرة للعوامل الجغرافية في حفظ الصحة والعلاج فقال في كتابه مصالح الابدان والانفس<84> .
قدم البلخي في الباب الثالث في كتابه ((في تدبير المساكن والمياه الاهوية)) وتاثيرها في جسم الانسان.
يقول البلخي: انه اول مابدئ به القول في مصالح ابدان الناس والاشياء التي لا غنى بهم عنها في حياتهم وقوام معاشهم، ولا يتهيا ان يكون له كون ولانشوء الابهما وهي المساكن والمياه والاهوية<85>.
ويقول في موضع اخر، حين وجد الانسان على سطح الارض فلابد من بقائه فهو يحتاج الى موضع يستقر عليه وينشاء به، ويحتاج الى ما ينبت من النبات ليتغذى به، اذ لابقاء له الا بالغذاء، والى حظ من الهواء يستنشقه فيعيش به اذ لاحياة له الا بالتنفس، والى حظ من الماء يقرنه الى طعامه فيعيش بهما فصارت حاجته الى هذه الاشياء الثلاثة والى الرابعة التي هي الحرارة الموجودة في الهواء في بدنه حاجة ضرورية لايستغنى عنها جميعا<86>.
ويرى البلخي ان الذي بين الامم والاجيال وسكان البقاع المعمورة من الارض من اختلاف في اجسامهم وقدودهم والوانهم والسنتهم واخلاقهم انما هو سبب لاختلاف هذه الاصول الثلاثة التي هي: الترب والمياه والاهوية. ومن اجل ذلك نشاهد اهل كل بقعة من بقاع العمارة مخالفين لاهل البقعة الاخرى.
وهذا القول من البلخي يوافق اراء الجغرافيين ويؤكد الصلة بين الجغرافية والطب وقد ادركها البلخي بحكم كونه جغرافي وطبيب.
كما يرى ان كل واحد من الاصول الثلاثة يوجد فيه الأجود والأردأ والافضل والارذل فتكون تربة اغذى واطيب من تربة وماء اعذب واخف من ماء وهواء ارق واصفى من هواء وان طبائع الناس الذين خلقوا من هذه الاصول يقع فيها مثل هذا التفاضل حتى يوجد بعض عمار البقاع اصح اجساما واشد قوى واحسن صورا واسهل اخلاقا واطول اعمارا ويوجد آخرون بخلاف هذه الصفات وكل ذلك بسبب الاختلاف الموجود في هذه الاصول الثلاثة فالافضل فيها يولد الذين هم افضل والادون يولد الذين هم ادون منها<87>.
وهكذا بين اثر البيئة الطبيعية على حياة الانسان وتكوينه واختلاف طباعه وهيأته. ويبدأ الحديث بالتفصيل على الاصول الثلاثة ويبدأ بموضوع المساكن وانواعها واسباب اختلافها وهو ايضا موضوع جغرافي والمساكن تختلف بثلاث جهات:
1- بالتربة فانها انواع منها التربة الحرة العذبة والتربة الصخرية والرملية والسبخية والفاسدة والرديئة وغيرها.
2- بوصفها من الارض قد تكون بموضع عال تشرق الشمس عليه وقد تكون غائرة لا تشرق عليها الشمس.
3- في قربها وبعدها من مدار الشمس وذلك ان منها ما يبعد عن مدار الشمس حتى لا يكاد يصل اليه شيء من حرها وقربها، ومنها مواضع تقرب الشمس من سمت رؤوس اهلها وتدور عليها في اكثر الازمنة فبهذه الجهات تختلف المساكن<88>.
ثم يستمر في بيان العوامل الجغرافية التي تؤثر على الانسان وتكون بيئة فيذكر المياه واختلافها بثلاث جهات ايضا:
1- بالتراب التي تكون منابعها فتأخذ قوتها وطعمها مثل المياه التي تكون منابعها من ارض طيبة الترب عذبة فتخرج عذبة طيبة على عكس الارض التي تكون تربها مالحة.
2- بجهة ظهورها على وجه الارض فتكون سبخا او تغور تحتها فتستنبط من القني والابار.
3- ان توجد جارية على وجه الارض كالانهار او راكدة عليها كالبطائح والمناقع والغدران<89>.
ومن الامور التي تؤثر بالبيئة وتنعكس على الانسان الاهوية وهي تختلف بثلاث جهات:
1- بمسامته ما يكون تحتها من التراب والمياه فأن منها ما يسامت الترب الحرة الطينية والانهار العذبة فتأخذ طباعها منها ومنها ما يسامت الترب الرديئة ومياه البحار فيقبل قوة ما يسامته بما يرتفع اليه من تلك الابخرة.
2- لحالها من الشمس ومدارها وذلك ان من الاهوية ما يصل اليه حرارة الشمس وضياؤها فيسخنه ذلك ويرقق اجزائه ومنها ما يبعد عن مدار الشمس فيستولي عليه البرد.
3- لمكانها من مسامته المواضع المرتفعة كالجبال وغيرها او بانحصارها في الشعاب او المواضع الفائرة التي تحيط بها الجبال وتحصر مائيتها<90>.
ثم يتوصل بعد هذا الوصف الجغرافي الى ان الجغرافية دراسة الارض على انها مسكن للانسان او انها عبارة عن البيئة الطبيعية للجنس البشري.
ثم يصف المسكن الافضل هو الذي تكون تربته عذبة طيبة بموضع عالي الانجاد وروس الجبال وسفوحها بحيث يتهيأ للهواء ان يتموج فيه ويتحرك ولا يكون في موضع غائر منخفض فتحتقن فيه بخارات المياه وانفاس الحيوان فيرجع التنفس الى الاجواف فيتنسمها.
ولا يبعد عن الشمس عن سمت رؤوسها فيصل اليه من ضوئها وحرها ما يسخن هواءها ويرققه، ولا يكون بموضع يبعد عن الشمس بعدا شديدا فلا يصل ضوءها وحرارتها اليه.
وان يكون ماؤه عذبا خيفقا سيحا تخرج انهاره من منابع طيبة الترب. وان لا يكون بقرب المسكن ترب فاسدة او مياه آجنة فترتفع منها ابخرة رديئة فتخالط هواؤه فتفسده. هذه هي صفات المسكن الافضل المثالي الذي يصلح لسكن الانسان لانه يجمع بين المواصفات التي مر ذكرها<91>.
ثم يخلص البلخي الى القول: هذه هي المعاني التي يجب استجماعها في الموضع المسكون حتى يجعله فاضلا محمود المزاج، ثم تتعدى فضيلة المسكن الى ساكنيه فتفيدهم الصحة في ابدانهم، والقوة في اجسادهم، والحسن في صورهم، والسهولة في اخلاقهم<92>.
ويرى البلخي ايضا ان الرياح الاربع الهابة من جهات العالم تؤثر في اجسام الانسان والحيوان والنبات. ويعدد الرياح التي تؤثر على جسم الانسان وهي:
1- الرياح الشمالية والجنوبية اذا دام هبوبها فأنها تؤثر في اجسام الناس وقواهم والوانهم فأن منها ما يرخي الابدان ويغيرها ويغير الالوان الى الصفرة ومنها ما يصلب الابدان ويشدها ويجعل الالوان مشرقة نيرة.
2- ريح الجنوب ريح حارة تسخن ما يستقبلها وتكسر من شدة البرد.
3- ريح الصبا هي التي تهب من جهة المشرق وليس من الرياح شيء اطيب نسيما من الصبا.
4- الدبور وهي التي تهب من ناحية المغرب والاستتار عنها افضل وتسمى الريح العقيم لذلك فالمعني بمصلحة بدنه ان يجعل مجلسه بعيدا عنها.
ولكي يتعامل الانسان مع الرياح عليه ان يتخذ عدة اجراءات منها ان يكون جلوسه ومبيته بالليل في الصيف بازاء مهب ريح الشمال فانها ريح باردة.
وان يجلس مجالسه في العلالي والمواضع المشرفة في الهواء ويرى ان المجالس الجبلية العالية افضل مزاجا وانقى هواءا من المواضع الغائرة<93>.
ولعل اهم ما يفعله الانسان اتقاء الحر والبرد ويقول البلخي في ذلك: الواجب على الانسان ان يتوقى اذى الحر المفرط والبرد المفرط في ظاهره وباطنه لان اكثر الاعراض التي ترد على الانسان من خارج فتؤذيه وتسقمه انما هو من قبل غلبه الحر والبرد على الهواء المحيط به الذي يتنشقه ويتقلب فيه وكذلك الحكم على الاعراض التي تعرض له في داخل بدنه فتسقمه انما تكون بغلبة الحرارة والبرودة على الاغذية التي يتناولها من اطعمة واشربة<94> . ولاهمية موضوع الحر والبرد يخصص له بابا مستقلا هو الباب الرابع ((في تدبير مايقي الحر والبرد من الاكنان والملابس)) .

التقاليد العلمية في المدارس البغدادية



التقاليد العلمية في المدارس البغدادية
المستنصرية أنموذجا

أ.نبيلة عبدالمنعم داود
رئيس مركز إحياء التراث العلمي العربي
جامعة بغداد

ان الحديث عن المدارس البغدادية من المواضيع الصعبة وذلك لاتصاله بعدة جوانب مختلفة من التاريخ كعلم الخطط لتعيين موقع المدرسة ، وعلم تراجم الرجال لمعرفة مدرسيها ووعاظها وفقهائها وخزانها وترتيب كل منهم فيها .
وهكذا فالمدرسة كانت ولاتزال من اشد المؤسسات ارتباطا بنواحي الحياة المتعددة(1) .
ان البحث في التقاليد العلمية في المدارس البغدادية يحتم علينا الرجوع الى الوراء لان الاستمرار الثقافي يدعو الى ذلك . لقد اهتم العرب والمسلمين بالعلم في وقت مبكر وفي كل دور من ادوار حياتهم ، فكان للعلم والعالم والمتعلم موضع فريد لايشبهه شيء في تراثنا الاصيل (2) .
ولما جاء الاسلام ازداد الاهتمام بالعلم وكان القرآن الكريم الذي هو كتاب الله المنزل يخاطب الناس بما يفهمون ويشير الى كثير مما يعرفون . .
لقد حض القرآن الكريم الناس على تعلم الكتابة فقد وردت فيه اشارات كثيرة الى الكتابة وآدابها وادواتها والعلم والمعرفة والعقل وحض الناس على استعمال العقل للتفكير واثنى على ممارسيه(3) .
بدأ التأكيد على تعلم القراءة والكتابة ايام الرسول (صلى الله عليه وسلم) حيث اولاها عناية واعتبرها مسألة اساسية ، واقتدى المسلمون بالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) الذي دعى الى التعليم واسهم في تطبيق هذه الدعوة وجعلها فدية للاسرى(4) .
لم يكن الاسلام دينا كسائر الاديان التي سبقته بل جاء وهو ينظم امر الدنيا والاخرة ويعمل للحياة وما بعد الممات ، وكان هدف العرب والمسلمين من التعليم دينيا ودنيويا معا عملا بالاية الكريمة {وابتغ فيما اتاك الله الدار الاخرى ، ولاتنسى نصيبك من الدنيا}(5) .
ان تحقيق هذا الهدف قاد العرب والمسلمين الى التزود من امور كثيرة فعنوا بتدارس علوم الدين والشريعة وحضوا الناس على التعلم(6) .
ونظرا لهذا الاهتمام المتزايد وتكاثر الخبرات بدأت تتوضح معالم العلوم وتتحدد مناهجها حيث اصبح لكل علم منهج يتحدد بموجب ادواته ، وطريق يأخذ مسالكه من خلال المادة الاساسية التي يعالجها، وكانت المرحلة الاولى لوضع الاصول المنهجية للبحث العلمي عند العرب والمسلمين هي تنقيح كتب الحديث واعداد الكتب الجامعة التي اطلق عليها الصحاح(7) .
ولما اتسعت الدولة العربية الاسلامية وزادت حاجاتها بتطور المجتمع واتساع الافق الفكري ووفرة المحصول العلمي وجد العرب والمسلمين انهم بحاجة الى دراسة علوم اخرى كعلوم اللسان والتاريخ والجغرافيا والكيمياء والفيزياء والطب والهندسة والفلك فعنوا بدراسة هذه العلوم(8) .
وبفضل هذه الثقافة الجامعة استطاع العرب والمسلمين ان يشيدوا حضارة رائعة قدمت للعالم زادا ثقافيا علميا كان الاساس في تطور الحضارة الحديثة بفضل ما قدمه من مكتشفات علمية غذت الانسانية طوال قرون .
خلف العرب والمسلمين تراثا فكريا علميا منقطع النظير تجاوز في كمه وكيفه حد الخيال(9) .
وبسبب هذا الاقبال الشديد على العلم والتعلم نشأت الحاجة الى المدارس ، وكان المسجد هو المدرسة الاولى ثم نشأت الكتاتيب وكانت اولا ملحقة بالمساجد او مجاورة لها ، وكان لمجالس الامراء وقصورهم ودور العلم وحوانيت الوراقين والمكتبات دور كبير في حركة التعليم . وقد ادت كل هذه المؤسسات واجبها ولا مجال للكلام عنها(10)
ونظرا لتكاثر هذه الدور برز دور المعلم ووضحت اهمية التعليم وصارت مهنة التعليم "من اجل المعايش" على حد قول الماوردي(11) . وضع العلماء العرب والمسلمين اساس علم التعليم ورسومه وآدابه وقواعده وكل ما يتعلق بتعلم المبتدئين كمرحلة اولى للتدرج في دراسة العلوم ووضحوا كل ما يتعلق بالمعلمين واختيارهم وواجباتهم ، وطرائق التدريس ، ومجانية التعليم ، والعلاقة بين المعلمين وآباء التلاميذ، والتعليم المختلط والعقاب ونوعه ، والعطلة الاسبوعية ، وحتى مسألة تعلم خطوط الاجانب(12) .
وهكذا كان التعليم يجري في امكنة غير مخصصة له، ولما تزايدت المعرفة وتعقدت وظهر التخصص ظهرت الحاجة الى وجود مكان يخصص لرعاية العلم ونشر الثقافة ظهرت المدارس.
ازداد انتشار المدارس في العصر العباسي وبصورة خاصة في العراق " موطن الحضارة وموئلها" وكان نصيب بغداد حاضرة الخلافة العباسية وراعية العلم والعلماء حظا وافرا فتشير اكثر كتب التاريخ والتراجم والطبقات الى ظهور عدد كبير من المدارس فكان ببغداد وحدها ما يقارب 30 مدرسة قبل انشاء المستنصرية(13).
ولعل اقدم مدرسة بالمفهوم الاصطلاحي هي المدرسة النظامية التي انشأها نظام الملك السلجوقي سنة 462هـ كما تجمع كل المصادرالتاريخية (14) .
كان للنظامية آدابها ورسومها وتقاليدها فيما يتعلق بالعالم والمتعلم والاوقاف وسكنى التلاميذ . وكان للتطور الذي حصل في المدرسة النظامية وخاصة في الاساليب التدريسية يعود الى الوزير نظام الملك الذي جعل للدولة السيطرة الكاملة على المدارس التي انشأها والتي انشئت من بعده .
اهتم نظام الملك بترتيب الرواتب للطلبة والمدرسين والمدارس والغى ما كان يدفعه الطالب لاستاذه من اجر لقاء تدريسه وجعل الدولة هي الموكلة بذلك .
ويقول د.عماد عبدالسلام " بيد ان ربط عجلة التعليم بالدولة في ذلك العصر كان بنظر البعض من الذين التزموا مبدأ الحرية في طلب العلم نكسه شديدة في اساليب التعليم الصحيحة(15) .
وفي هذا المجال يشير حاجي خليفة ان علماء ما وراء النهر لما بلغهم بناء المدارس ببغداد وتخصيص الرواتب للمعلمين والمتعلمين اقاموا مأتما للعلم وقالوا "كان يشتغل به ارباب الهمم العالية ، والانفس الذكية الذين يقصدون العلم لشرفه ، والكمال به ، فيأتون علماء ينتفع بهم وبعلمهم لكن – العلم – اذا صار عليه اجرة تدانى اليه الاخساء وارباب الكسل" (16) .
ولكن هذه النظرة لم تستمر طويلا حيث اثبتت هذه المدرسة شهرتها وحسناتها للطالب والمدرس معا . حتى ظهر من العلماء من ابدل مذهبه في سبيل ان يتولى وظيفة التدريس بها (17) .
كثرت المدارس في بغداد بعد النظامية فكان في بغداد في سنة 580هـ ايام زيارة ابن جبير لها (30) مدرسة ويقول ابن جبير" والمدارس بها – بغداد- نحو الثلاثين وهي كلها بالشرقية وما منها مدرسة الا يقصر الطرف البديع عنها واعظمها واشهرها النظامية وهي التي ابتناها نظام الملك وجددت سنة اربع وخمسمائة ولهذه المدارس اوقاف عظيمة وعقارات محبسة تتصير الى الفقهاء والمدرسين بها ويجروم بها على الطلبة ما يقوم بهم ، ولهذه البلاد في امر هذه المدارس والمارستانات شرف عظيم وفخر مخلد فرحم الله واضعها الاول ومن تبع ذلك السنن الصالح"(18) .
كل هذه المراحل سبقت ظهور المدرسة المستنصرية مما يدل على انها وجدت امامها ذخيرة كبيرة من التقاليد والرسوم التي تدل على ان حركة التعليم العربية الاسلامية سارت من بدايتها وفق تقاليد خاصة بها نشأت نتيجة حاجة المجتمع وظروفه وطبيعة المراحل التاريخية التي عاشها .
لقد توضحت معالم واهداف حركة التعليم وانشاء المدارس في العصر العباسي ، العصر الذهبي للثقافة وتنوع وسائل الفكر وكان للخلفاء العباسيين دور كبير في هذا .
يقول صاحب كتاب النبذة في التاريخ عن الدولة العباسية: "انها كانت دولة مباركة نشأ منها العلماء والفقهاء وتدرج بمكانها نقلة حديث الرسول ، وظهر برغبات اصحابها الادب والادباء" (19) .
وكان اكثر الخلفاء العباسيين راغبا بالعلم محبا له واستمر هذا الولع في كل العصور حتى في فترات التسلط الاجنبي ، وفترات ضعف الخلافة ، ولعل اظهر دليل على هذا انشاء المدرسة المستنصرية .
لقد اخترت المدرسة المستنصرية انموذجا لان فيها وضحت التقاليد العلمية واستقرت فيما يخص النظم التدريسية والتربوية والادارية وما يتعلق بالتقاليد الاخرى .

تأسيس المستنصرية
المستنصرية اول جامعة اسلامية كبرى في بغداد في اواخر الدولة العباسية اثناء الغزو المغولي جمع فيها تدريس المذاهب الاربعة ، وهي اول جامعة عربية اسلامية عنيت بدراسة علوم القرآن والسنة النبوية والمذاهب الفقهية ، وعلوم العربية ، والرياضيات والطب وحفظ الصحة وتقويم الابدان.(20)
سميت المستنصرية باسم الخليفة العباسي المستنصر بالله منصور بن محمد الظاهر(588هـ-640هـ) الذي تولى الخلافة سنة 623هـ وتجمع كتب التاريخ والطبقات على انه من الشخصيات العباسية الفريدة ، وتعدد الكثير من مآثره حتى ان جده الناصر لدين الله كان يلقبه "القاضي" لوفرة عقله(21) .
ولعل اهم مآثره حبه للعلم والعلماء ورعايته لهم ، وقد توج هذا الاهتمام ببنائه المدرسة المستنصرية التي بناها كما يبدو ليس رغبة في بناء شامخ يخلد ذكره ، ولكن حبا حقيقيا للمعرفة والعلم ، يؤيد هذا كثرة زياراته لها واشرافه على الكثير من شؤونها(22) .
انشئت المستنصرية في الجانب الشرقي من بغداد على ضفة نهر دجلة مما يلي دار الخلافة بدأ بنائها سنة 625هـ وتكامل سنة 630هـ وتم افتتاحها سنة 631هـ(23).
اكثر المؤرخون الكلام عنها وعن حسن بنائها فقالوا فيها الكثير يقول سبط ابن الجوزي(ت654هـ) : "لم يعمر في الدنيا مثلها فعمرت على اعظم وصف في صورتها وآلاتها واتساعها وزخرفتها وكثرة فقهائها ووقوفها"(24). ويقول صاحب كتاب الفخري في الاداب السلطانية (ت709هـ) : "وهي اعظم من ان توصف وشهرتها تغني عن وصفها"(25) .
ويصفها الاربلي (ت717هـ) فيقول : "محكمة البناء ، راسخة في الماء ، فسيحة الفناء ، وصفها غريب ، وحسن ترتيبها عجيب"(26) .
ويقول ابن كثير (ت774هـ) : "لم يبن مدرسة قبلها مثلها" (27) .


مراسيم افتتاح المستنصرية

كان لافتتاح المدارس رسوم وتقاليد تدل على عناية الخلفاء بالعلم ورعايتهم له ، وقد كانت مراسيم افتتاح المستنصرية اكثرها سعة حتى انها صارت تقليدا .
توسعت كتب التاريخ في وصف افتتاح المدرسة وكان يوم افتتتاحها "يوما مشهودا" فتحت المستنصرية بعد ان تكامل بنائها في 5رجب 631هـ . حضر الافتتتاح الوزير نصير الدين ابن الناقد وجميع ارباب الدولة والحجاب والقضاة ، والعدول ، والوعاظ ، والفقراء ، والشعراء ، ووجوه الناس ، واعيان التجار والغرباء والصوفية ومشايخ الربط والمعيدين بالمدارس الاخرى .
ابتدأ الافتتاح بتوزيع الخلع على جميع المتولين للعمارة والصناع والحاشية وعلى المعينيين للخدمة بخزانة الكتب(28) .
كما خلع على المعمار ومقدمي الصناع والفراشين والمرتبين في الدار التي استجدت بجوار المدرسة المستنصرية والتي جعلت للضيافة(29).
ومن مراسيم الافتتاح اعدت وليمة كبيرة افاض المؤرخون في وصفها ، فقد وصفها كل من ابن الفوطي(ت732هـ) ، والذهبي(ت748هـ) ، وابن كثير ، والغساني(ت803هـ) (30) .
فقد مد سماط عظيم في صحن المدرسة او في دار الضيافة المجاورة للمدرسة وقد حوى هذا السماط انواعا كثيرة من الاطعمة والاشربة ، وانواع الحلوى ما يجاوز حد الكثرة فتناوله الحاضرون من الفقهاء تعبئة وتكويرا(31) .
يقول ابن كثير ان الوليمة كانت كبيرة جدا بحيث اكل جميع الحاضرين وما فضل من الطعام حمل على سائر دروب بغداد من بيوتات الخواص والعوام(32).
ثم بعد ذلك تخير لكل مذهب من المذاهب (62) طالبا ورتب لها مدرسان ونائبا تدريس(33). والمدرسان هما : محيي الدين ابو عبدالله محمد بن يحيى بن فضلان الشافعي(ت631هـ) ، ورشيد الدين ابو حفص عمر بن محمد الفرغاني الحنفي(ت632هـ) وخلع على كل واحد منها جبة سوداء وطرحة كحلية وبغلة بمركب جميل وعدة كاملة (34) .
اما النائبان فهما جمال الدين ابو الفرج يوسف بن عبدالرحمن بن الجوزي الحنبلي (ت656هـ) ، والاخر ابو الحسن علي المغربي المالكي وخلع على كل واحد منهما قميص مصمت وعمامة قصب(35) وكان محيي الدين ابن الجوزي مدرس الحنابلة غائبا فدرس نيابة عنه ابنه جمال الدين عبدالرحمن(36) .
ويذكر ابن الجزري (ت739هـ) انه في يوم الافتتاح وزعت الخلع على سائر المعيدين وعددهم (16) ، قمصان مصمته وبقايير قصب ، وخلع ايضا على جميع الفقهاء ، قمصان دمياطي وبقايير (37)ويذكر ابن الغوطي مراسيم هذا الافتتاح فيذكر ان المدرسان رقيا سدة التدريس كل واحد منهما على سدة والنائبان كل واحد منهما تحت السدة (38) .
وفي نفس هذا اليوم قسمت الارباع في المدرسة فسلم ربع القبلة الايمن الى الشافعية ، والربع الثاني يسرة القبلة للحنفية ، والربع الثالث يمنة الداخل للحنابلة ، والربع الرابع يسرة الداخل للمالكية(39) . واسكنت بيوتها وغرفها .
وفي يوم الافتتاح ايضا تكلم الشعراء وانشدوا القصائد ،ومن هؤلاء ابو المعالي القاسم بن ابي الحديد المدائني قال :

ما مثل هذا الفلك العظيم لمبصر في الارض قبل اياله المستنصر
هذا بناء معرب عن قـــــــــــدره رفعت قواعده بفعل مطهـــــــــر
بالجانب الشرقي بالشاطىء الذي هو طور سينا كل صاحب منبـر
ومنها:
ما حق دجلة ان تفوه بلفظــــــــه فهرت واي مساجل لم يقهـــــــــر
وضع الامام بها اساس بنائــــــه والمعوج بين مجمجم ومزمجــــر
قصرا ومدرسة لمن طلب الغنى اورام شنأ والعالم المتبحــــــــــــر
قد كانت الفقهاء قبل بنائهــــــــــا في كل قطر واحد لـــم يذكـــــــــر
فاليوم قد جمعت امور الدين فـي ارجائها وازيل عذرا المقصـــــر(40)
ومن القصائد التي قيلت في افتتاحها قصيدة (41) لايعرف قائلها تبدأ ....قوله عند اكماله وفتحها وقد عرضت على المستنصر بالله من جهة الديوان العشرين من رجب سنة 631هـ . وهي :

ابيت فلا اقيم علـــــى الصغـــــار وبالمستنصر الملك انتصـــــــاري

ومنها:

وقد انشأت دارالعلم قلنـــــــــــــــا عرين الليث جل عن الوجــــــــار
تضاءلت المدارس اذ رأتهـــــــــا وباتت بالمذلة والصغـــــــــــــــار



اوقاف المستنصرية
كان التعليم يجري في اماكن متعددة في المساجد او في دور الشيوخ والعلماء ودور العلم ولذلك لم يكن يكلف نفقات تستوجب رصد اموال لتسييره .
ونظرا لاهتمام الكثير من الموسرين بالعلم والشغف به ارادوا ان يوفروه لكل الناس ، فبدأت فكرة وقف الاموال والضياع وكتابتها حتى تبقى موردا ثابتا يمون دار العلم في حياة الواقف وبعد وفاته ولكي تستمر هذه الدار او المدرسة برفد العلم والمعرفة. ويشير الدكتور احمد شلبي الى ان المأمون كان رائدا في هذه المسألة ،وكان عصره من ازهى عصور الثقافة فقد فكر ان يخصص رزقا سخيا للعلماء من وقف يخصص ريعه لذلك(42) .
تطورت هذه الفكرة حتى اصبحت من ضروريات انشاء معهد او مؤسسة ثقافية ان يعين لها وقف ثابت منه نفقاتها(43).
بدأت هذه الفكرة حتى اصبحت تقليدا من تقاليد المدارس ان يوقف لها اموالا وبصورة خاصة للذين يشتغلون بخدمة العلم في المساجد . وقد ظهر ذلك في انشاء المدرسة النظامية في بغداد حيث يذكر ابن الجوزي (ت597هـ) في حوادث462هـ "جمع الامير العميد ابو نصر الوجوه وقاضي القضاة والشهود الى المدرسة النظامية وقرئت كتب وقفها ووقف كتب فيها ، ووقف ضياع واملاك وسوق ابنيت في بابها عليه وعلى اولاد نظام الملك على شروط شرطت فيها"(44) .
وقد كانت الاوقاف التي توقف على المدارس تبلغ حدا كبيرا حتى ان الرحالة ابن جبير حين مر ببغداد قال " ..... ولهذه المدارس – مدارس بغداد – اوقاف عظيمة وعقارات محبسة تتصير الى الفقهاء والمدرسين وبها يجرون على الطلبة ما يقوم بهم ...." (45) . وهكذا اصبحت ظاهرة الوقف تقليدا في انشاء المدارس ولذلك لما بنى المستنصر بالله المستنصرية تؤكد المصادر انه اوقف عليها الوقوف الكثيرة ، ولكن يظهر ان اكثر المؤرخين لم يتح لهم قراءة وقفيتها فاكتفوا بالاشارة الى كثرة وقوفها رغم انهم افاضوا في وصف كل ما يتعلق بها .
فالغساني يقول : "ووقف وقفا جليلا"(46) .
اما القرماني (ت1019هـ) فيقول :"ما بنى على وجه الارض احسن منها ولا اكثر وقوفا" (47) .
الوحيد من المؤرخين الذي ذكر اوقاف المستنصرية بصورة مفصلة هو الذهبي حيث ذكر انه رأى نسخة كتاب وقفها في خمسة كراريس ، وقال ان هذه الاوقاف عدة رباع وحوانيت ببغداد وقرى كبار وصغار ما قيمته 900 الف دينار(48) .
ويعلق الذهبي على هذا ويقول : "ولا اعلى وقفا في الدنيا يقارب وقفها اصلا سوى اوقاف جامع دمشق ، وقد يكون وقفها اوسع"(49) .
ويعدد الذهبي اوقافها وهي :
من وقفها بمعاملة دجيل .
قصر(50) سميكة وهي 3700جريب .
الجمد(51) وضياعه كلها مساحته 6400جريب .
الاجمة كلها ومساحتها 5050جريب .
ومن نهر الملك برفطا كلها ومساحتها 5500جريب .
ناحية البدو ومساحتها 390جريب .
قوستيشا ومساحتها 3000 جريب ونيف .
قرية يزيد كلها ومساحتها 4180جريب .
ناحية طبسني ومساحتها 8100جريب .
سستا ومساحتها 3000 جريب وزيادة .
ناحية الارحاء ومساحتها 4000 جريب
الفراشة ومساحتها 1000 جريب .
قرية النهرين ومساحتها 1200 جريب .
الخطابية ومساحتها 4800 جريب .
ناحية بزندين ومساحتها 6500جريب .
الشدادية ومساحتها 20250 جريب .
حصن بقية ومساحته 4800جريب.
فرها طيا 6000 جريب.
حصن خراسان 5900جريب وما اضيف الى ذلك فهو 7200جريب .
ومن اعمال نهر عيسى
قرية الجديدة 2600جريب.
القطنية 6400جريب .
قرية المنسل 5500جريب .
مبيشا 2500جريب.
قرية الدينارية 4600جريب.
الناصرية كلها 190000جريب *
ويقول الذهبي فالمرتزقة من اوقاف هذه المدرسة على ما بلغني نحو من 500 نفس "المدرسون فمن دونهم ، وبلغني ان تبن الوقف يكفي الجماعة ويبقى مغل هذه القرى مع كري الرباع مفضلة فكذا فليكن البر والا فلا"(52) .
ويذكر الذهبي في موضع آخر :بلغ وقوف المستنصرية في بعض الاعوام نيفا و70 الف مثقال ذهب ، وتليها في الكبر وكثرة الوقوف المنصورية بالقاهرة .
ويستطرد الذهبي فيذكر ان ما يدخل المستنصرية اليوم – أي في ايامه – عشر ذلك بل اقل بكثير(53) .
ان قول الذهبي يتناقص وقوف المستنصرية في ايامه يدل على ان الكثير منها قد تسلط عليه المتسلطون في فترات التسلط الاجنبي وقد اكد ذلك محمد بن شاكر الكتبي (ت764هـ) في حوادث سنة 684هـ فقال في وصف حال المستنصرية والفقهاء وكان قد قيل لهم : من يرضى بالخبز وحده ؟ والا فما عندنا غيره .
ويذكر قصيدة لتقي الدين علي بن عبدالعزيز المغربي البغدادي (ت684هـ) يرثى لحال المستنصرية سنة 684هـ ، وقال(54) .
حاشا لــــــــست المدارس ومن بها يضرب المثـــــــــــلد
مستنصريــــة سبيكــــــــة قد كنت في عصر الصبــــــــا
تهون من بعـــــــــــد ذاك التعظيم والتشريـــــــــــــــــف
واليوم قد صرت بهـــرج مزيفـــــــــة تزييــــــــــــــــف
ما زال نخلك يرجـــــــــم حتى فني الرطب الجنــــــــــي
وما بقى في قراحـــــــــك غير الكرب والليـــــــــــــــــف
ذكرت بيتا ظريــــــــــــف من كان وكان البغـــــــــــــاددة
وكل معنى يـــــــــــبـــــدر من الظريف ظريــــــــــــــــف
أي ست ما اكثر زبونــــك ما اخلى فراشك من العشــــــي
ذي زحمة الباقلانــــــــــي وكلهـــــــــــــــــم برغيــــــــف
وكان لاوقاف هذه المدارس اهمية كبيرة ويؤكد هذا ابن الساعي فيذكر في احداث سنة 595هـ انه اوكل وقوف المدارس والوقوف العامة الى قاضي القضاة(55).
ان هذه البادرة كانت تشير بوضوح الى تعاظم اهتمام المجتمع العربي الاسلامي بالمدرسة كوسيلة اساس في الحفاظ على شخصية الامة الروحية والثقافية المتميزة واداة لتنمية مداركها وتطويرها(56) .

الانظمة العلمية في المدرسة المستنصرية
المستنصرية من " اجل مدارس بغداد مدينة السلام" (57) كان لها منذ تأسيسها نظام دقيق غاية الدقة حدد فيه اقسامها العلمية وهيئة التدريس وعدد المظفين الاداريين وموظفي الخدمات العامة وما يصرف لهم من رواتب وجرايات نقدية واخرى عينية .
ان هذا النظام وهذا التقسيم سار وفقا لشروط واقفها المستنصر بالله(58).
المستنصرية اول جامعة عراقية بل واول جامعة اسلامية جمعت فيها المذاهب الفقهية الاربعة في بناية واحدة(59) . والمستنصرية مدرسة داخلية لذا فان كل هذه الامور تستوجب ادارة كبيرة وخدمات متنوعة اضافة الى سعة الاقسام العلمية فيها .






الاقسام العلمية في المدرسة المستنصرية
ان من اهم الاقسام العلمية في المدرسة المستنصرية :
دار القرآن
شرط المستنصر بالله ان يكون في مدرسته دارا للقرآن المجيد وان يكون في هذه الدار :
أ‌- مقرئ متقن صالح للقرآن .
ب‌- ان يساعده في اداء مهمته معيد ليحفظ الطلبة القرآن .
ت‌- ان يكون بها عدد من الطلبه اضافة الى 30 صبيا ايتاما يتلقون القرآن الكريم بمساعدة المعيد .
ث‌- خصص للقارئ في كل شهر ديناران واربعة ارطال خبز وغرف طبيخ في كل يوم (60) .
اما الطلبة فلهم مثل ما للايتام من الغرف والخبز والمشاهرة كبقية طلبة الفقه(61).

دار الحديث
ومن شرووط هذه الدار :
أ‌- ان يكون بها شيخ حديث عالي الاسناد .
ب‌- قارئان وعشرة انفس يشتغلون بعلم الحديث .
ت‌- ان يقرأ الحديث النبوي كل يوم سبت واثنين وخميس من كل اسبوع(62).
ث‌- حدد لشيخ الحديث راتبا قدره (3) دنانير شهريا وفي كل يوم 6 أرطال خبز ورطلان لحم(63) .
ج‌- حدد للمشتغلين بعلم الحديث لكل واحد منهم راتبا شهريا قدره ديناران وعشرة قراريط ، وخصص لكل واحد يوميا اربعة ارطال خبز وغرف طبيخ(64) .

مدرسة الطب
من جملة الشروط التي شرطها المستنصر لمدرسته ان يكون بها شيخ للطب(65) ومن شروطها الاخرى:
أ‌- ان يكون بها طبيب حاذق مسلم (66) .
ب‌- ان يشغل عشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب .
ت‌- ان يكون الطبيب يطب من يعرض له مرض من ارباب هذا الوقف ويعطي المريض ما يوصف له من ادوية واشربة(67) .
ث‌- اما راتب الطبيب والجرايات المخصصة له فلا تختلف عن بقية رواتب العلماء الاخرين ، وكذلك طلبة الطب اسوة بطلبة الحديث من الخبز والطبيخ والمشاهرة(68) .
ويذكر ابن الفوطي ان هذه المدرسة انشئت بعد عامين من انجاز المدرسة المستنصرية وان عملها بدأ بعد تكامل الايوان المقابل للمستنصرية وعمل صفة يجلس فيها الطبيب وعنده جماعته الذين يشتغلون بعلم الطب والمرضى .
ان لمدرسة الطب هذه اهمية كبيرة لانها كانت النواة لازدهار الدراسات الطبية في بغداد(69) . ولاهمية هذه المدرسة فقد كان مدرس الطب يعين من قبل الخليفة بصدور توقيع ثم تقدم له خلعة التدريس باحتفال خاص يقام في دار الوزارة بحضور صاحب الديوان والولاة والقضاة والاكابر وكافة المدرسين في المدارس الاخرى والفقهاء ثم يقوم المدرس بالقاء بحثه على الحاضرين بعد ان يجلس على سدة التدريس ويضع على عمامته الطرحة التي لايحق له لبسها بعد ما يعزل من التدريس لانها اللباس الرسمي له (70) .
ومما يؤكد اهمية مدرسة الطب هذه يحدثنا ابن الفوطي ان الاطباء كان يعقد لهم امتحانا ويذكر قصة وصول " الطبيب مجد الدين ابن الصباغ البغدادي سنة 688هـ ومعه فرمان بامتحان الاطباء والصيادلة في العراق فمن ارتضاه اقره على عمله ومن لم يرضه يستبدل به من يراه اهلا للتدبير والعلاج وحفظ الصحة والمزاج" .
ويبدو ان مدرسة الطب هذه لم تكن تعطي العلوم النظرية فقط بل كان هناك تطبيق عملي اذ ان مدرسي الطب اذا ارادوا اجراء التطبيق العملي نقلوا الطلبة من المدرسة الى المستشفى المجاور للمدرسة ليطبق الطلاب علومهم النظرية على مرضى المستشفى (71) .
اضافة الى ماذكرنا من علوم كانت تدرس في المدرسة والتي هي من شرط الواقف ، علوم اخرى وهي النحو والادب والفرائض، فقد كان في المستنصرية شيخ للنحو وللادب العربي ولم يكن هناك مكان خاص او مدرسة لهما وانما كانا يدرسان في رواق المستنصرية(72).
اما الشروط الواجب توفرها في مدرس النحو فهي :
أ‌- ان يكون بالمدرسة شيخ نحو يشتغل بعلم العربية .
ب‌- يخصص له راتبا قدره 3 دنانير شهريا .
ت‌- ان يعطى في كل يوم 6أرطال خبز و2 لحم بحوائجها وخضرها وحطبها(73).
اضافة الى ما تقدم من اقسام علمية فقد كانت هناك علوم اخرى تدرس في المستنصرية كالفرائض والحساب وكل ما له صلة بالعلوم الدينية . ولكن يبدو ان هذه العلوم لم يكن يخصص لها مكان . وقد ذكر بعض من ارخ للمستنصرية وجود مثل هذه العلوم في مناهجها كما ورد بعضها في شروط وقفها ، ومن هذه العلوم الفرائض وعلم الحساب .
يقول الاربلي عن المستنصرية " هي كعبة الانام وقبلة الاسلام .... فيها المجموع وعلم القوافي ..... وقسمة الفرائض والتركات وعلم الحساب والمساحات ، وعلم الطب ، ومنافع الحيوان وحفظ قوام الصحة وتقويم الابدان"(74).
ويقول ابن الفوطي ، وشرط المستنصر ان يكون بها من يعلم الحساب والفرائض(75). ويؤكد ذلك ابن الجزري فيذكر ان للفرضي وهو احد الفقهاء زيادة على معلومة 13 قيراطا من الذهب(76).
هذه اهم الاقسام العلمية في المدرسة المستنصرية بموظفيها ورواتبهم وجراياتهم من المواد الغذائية ، علما ان هذه الجرايات لكل الموظفين تضاعف في شهر رمضان(77). ومن الامور التي يجب ذكرها ان للمستنصرية جامع خاص بها لاقامة الصلاة وان له اماما وخطيبا وواعظا ويبدو ان هذا احد شروط واقفها .
والذي يدل على وجود هذا الجامع هو ما ذكره ابن الغوطي في احداث سنة 654هـ حين غرقت بغداد وسقط الكثير من دورها ومحلاتها فاضطر الناس الصلاة عدة جمع في جامع المستنصرية(78).
وذكر الغساني حين تكلم عن اقسام المستنصرية وموظفيها وطلبة الفقه فذكر ان لكل طائفة امام يصلي بهم وقارئ للسبعة وداعي ويعطي كل واحد من هؤلاء عشرة قراريط في كل شهر زيادة على مشاهرته ويكون بها مؤذن (79).

مكتبة المستنصرية
الكتب هي "آلة العلم" ولذلك اهتم العرب والمسلمين بجمعها والعناية بها وانشاء اماكن خاصة لحفظها فنشأت المكتبات التي كانت طريقة القدماء في نشر العلم . ولما كان من غير الميسور على غير الاغنياء اقتناء الكتب لارتفاع ثمنها لجأ من احب تعليم الناس الى انشاء مكتبة يجمع فيها الكتب ويفتح ابوابها لهم(80) . وقد تطورت هذه المكتبات واصبحت من التقاليد اللازمة لانشاء المدارس وكانت هذه المسألة واضحة في خزانة كتب المدرسة النظامية ، يقول ابن الجوزي: "لقد نظرت في ثبت الكتب الموقوفة في المدرسة النظامية فاذا به يحتوي على 6 الاف مجلد . ولما انشأ المستنصر بالله المدرسة المستنصرية اهتم بمكتبتها وملأ خزانتها بالكتب"(81) .
ويقول الاربلي : " فاما ما خصه الله تعالى به في نفسه من الميل الى العلوم فانه لم يزل في اول امره ومبدأ عمره متشاغلا بالعلوم الدينية والادبية عاكفا على نقل الكتب حريصا على ذلك مواظبا عليه ، حسن الخط ، صحيح الضبط ، ومن محبته للعلوم انشأ(82) خزانة الكتب جمع فيها من انواع العلوم على اختلافها وتباينها وائتلافها لذلك كانت خزانة الكتب والتي هي اهم الاقسام العلمية في المستنصرية اشهر من ان توصف لنفائس الكتب التي حوتها " .
وقد نقل المستنصر اليها يوم فتحت " الربعات الشريفة والكتب النفيسة المحتوية على العلوم الدينية والادبية ما حمله 160 حمالا جعلت في خزانة الكتب" (83) .
اضافة الى الكتب التي اوقفها المستنصر فقد اوقف خزائن كتب لم يسمع بمثلها في كثرتها وحسن نسخها وجودة الكتب الموقوفة فيها (84).
ويذكر ابن عنبة ان المستنصر اودع خزانته في المستنصرية 80 الف مجلد فصارت مكتبة لم يوجد مثلها في العالم(85).
ويبدو ان زيادة عدد الكتب في خزانة المستنصرية ادى الى تنظيمها وفهرستها ليسهل عملية الاستفادة منها . فقد ذكر ابن الفوطي ان المستنصر بالله بعد ما نقل الكتب من خزانته الى المستنصرية تقدم الى الشيخ عبدالعزيز شيخ رباط الحريم بالمدرسة لاثبات الكتب(86) ، وجعل اعتبارها (87) الى ولده العدل ضياء الدين احمد والخازن بخزانة كتب الخليفة في داره ايضا فحضر واعتبرها ورتبها واحسن ترتيبها مفصلا لفنونها ليسهل تناولها ، ولايتعب مناولها(88).
ان تزايد عدد الكتب في خزانة المستنصرية بعد افتتاحها بسنوات ادى الى انشاء دارا للكتب فيها حوت الكثير من النفائس وان هذه الدار افتتحت سنة 644هـ(89). وكان يوم افتتاح دار الكتب من الايام المشهودة حتى ان موفق الدين ابي القاسم ابن ابي الحديد قال : (90) .
رأيت الخزانة قد زينـــــــت بكتب لها المنظر الهائــــــل
تمثلت اسماءها منكـــــــــــم على النقل ما كذب الناقــــل
بها مجمع البحر لكنــــــــــه من الجود ليس له ساحـــــل
وفيها المهذب من فضلكــــم ومغن ولكنه نائــــــــــــــــل
وفيها الوسيط بما نرتجيــــه وفيها النهاية والكامــــــــــل
وكان لخزانة الكتب في المستنصرية شأن كبير لانها رفدت العلم سنين طويلة لما فيها من النفائس والنوادر . يذكر حاجي خليفة ان فيها نسخة كاملة من تاريخ الخطيب البغدادي مكتوبة بخطه وتقع في 14مجلدا(91) .
ويقول الاستاذ عباس العزاوي حين يتكلم عن الشعر في العراق ايام الدولة الجلايرية (738هـ - 864هـ) " ..... وكيف يموت الشعر ، وتنتزع الروح الادبية ولاتزال خزانة المستنصرية قائمة يرجع الى آثارها ..... وهي المدرب عند فقد المدرس ، وهي المؤدب لمن تأهب للادب ، وكانت فيه جذوة حب الشعر" (92).
وكان لهذه الخزانة نظام خاص بها يديرها عدد من الموظفين لتمشية امورهاوتسهيل الاستفادة منها لطالبي العلم فمن موظفيها :
الخازن او خازن الكتب وهي اهم الوظائف لان واجبه الاحتفاظ بالكتب " وترميم شعثها وحبكها عند احتياجها للحبك والضنة بها على من ليس من اهلها ، وبذلها للمحتاج اليها ، وان يقدم في العارية الفقراء "(93) .
والمشرف ويأتي بالدرجة الثانية بعد الخازن ، ثم الناسخ الذي ينسخ الكتب ويجب ان يتصف بصفات اهمها الامانة ، والا يبيع دينه بدنياه والدقة والتأني ليؤدي وظيفته على احسن وجه(94) .
اما المناول فوظيفته ارشاد القراء وطلبة العلم الى مواضع الكتب(95) . ثم المجلد والمترجم(96) .
ان معرفة واجبات هؤلاء الموظفين تدل على ان هناك نظم وتقاليد متبعة في انشاء هذه المكتبات وقد التزمت المستنصرية بها ، كما يدل على ذلك سعة خزانة الكتب في المدرسة وعلى احترام واقفها للعلم والعلماء لانه سلك كل السبل من اجل تذليل الصعوبات التي تقف امام المستفيدين منها . ويؤيد هذا قول المنذري حين ذكر المستنصر بالله فقال : "كان راغبا في فعل الخير مجتهدا في تكثير اعمال البر .... وانشأ المدرسة المعروفة به ، ورتب فيها الامور الدالة على تفقده لاحوال اهل العلم وكثرة فكرته فيما يقضي براحتهم وازاحة عللهم (97) .
وليس هناك خدمة اجل من ان يقدم الكتاب لاهل العلم ومريديه ومثل ما اهتم المستنصر باهل العلم رعى من يقوم بخدمتهم أي موظفي المكتبة فقد خصص لكل منهم رواتب نقدية وجرايات عينية ، فقد كان راتب الخازن (3) دنانير شهريا ويعطى كل يوم (10) ارطال خبز و(4) ارطال لحم بحوائجها وخضرها وحطبها (98).
اما المناول فراتبه الشهري (2) ديناران وفي كل يوم (4) ارطال خبز وغرف طبيخ(99) ، وكانت هذه المشاهرات تضاعف في شهر رمضان (100) .

السيرة العلمية للاستاذة نبيلة عبدالمنعم داود


السيرة العلمية للاستاذة نبيلة عبدالمنعم داود

البحوث والدراسات

البحوث المنشورة:

1- معركة نهاوند فتح الفتوح – مجلة الاستاذ – كلية التربية (ابن رشد)1980 م عدد خاص 0
2- ست الوزراء ، وزيرة بنت اسعد – ضمن الوقائع الكاملة لندوة دور المرأة العربية في الحركة العلمية – بغداد - مركز احياء التراث 1988 0
3- اطباء بغداد واهتماماتهم الاخرى – ضمن الوقائع الكاملة للندوة القطرية الرابعة لتاريخ العلوم عند العرب – جامعة بغداد - مركز احياء التراث 1988 0
4- اثر الموصل على الحركة العلمية في اربل – ضمن الوقائع الكاملة لندوة دور الموصل في التراث العربي – مركز احياء التراث العلمي 1988 0
5- الحسبة على الحمامات– ضمن الوقائع الكاملة لندوة الحمامات في المدينة العربية – جامعة بغداد - مركز احياء التراث 1990 م 0
6- الامن الغذائي في كتب الحسبة – ضمن الوقائع الكاملة لندوة الامن الغذائي في التراث – جامعة بغداد - مركز احياء التراث 1990 0
7- ذيل تاريخ بغداد لابن السمعاني – ضمن الوقائع الكاملة لندوة بغداد مدينة السلام – جامعة بغداد - مركز احياء التراث بالتعاون مع امانة بغداد 1990
8- التقاليد والانظمة العلمية في المدرسة المستنصرية – ضمن الوقائع الكاملة لندوة بغداد في التاريخ – جامعة بغداد - كلية التربية ابن رشد 1990 0
9- من اعلام تكريت وجيه الدين بن سويد التكريتي – ندوة تكريت في التراث – جامعة تكريت 1992 0
10-منهج بدر الدين الغزي في تحقيق النصوص – ضمن الوقائع الكاملة لندوة الكتاب والوثيقة ، دار الكتب الوطنية 1995.
11-المجالس العلمية للخلفاء في بغداد – ضمن كتاب نهضة بغداد العلمية ، بغداد ، اللجنة الثقافية لاحتفالات يوم بغداد 2001 .
12-الخليفة العباسي المعتضد بالله – ضمن كتاب اعلام واحداث بغداد اللجنة العليا لاحتفالات يوم بغداد
13-ابن قتيبة الدينوري – ضمن كتاب اعلام واحداث عام 2000.
14-مؤرخ الكوفة ، ابن النجار الكوفي – مجلة الكوفة ، جامعة الكوفة العدد الاول 2001 عدد خاص بمهرجان الفية الكوفة .
15-من اعلام القدس في العصر العباسي – ضمن المؤتمر السنوي الثالث للقدس ، جامعة تكريت 2001 .
16-مناهج العلماء العرب القدامى في تحقيق النصوص – ضمن وقائع ندوة منهجية تحقيق النصوص – المجمع العلمي العراقي 1995 0
17-التقاليد والانظمة العلمية والتربوية في التراث العربي – ضمن وقائع ندوة عناصر الحداثة في الفكر العربي الاسلامي – جامعة بغداد - مركز البحوث التربوية 1998 0
18-المدارس والمكتبات ودور العلم في العراق من خلال كتاب تلخيص مجمع الاداب لابن الفوطي – ضمن وقائع ندوة ابن الفوطي خازن المستنصرية – بغداد مركز التراث بالتعاون مع دار الكتب الوطنية 1994 .
19-الغذاء والصحة في التراث العربي – ضمن الوقائع الكاملة للندوة العالمية السادسة لتاريخ العلوم عند العرب – الامارات العربية رأس الخيمة بالتعاون مع معهد التراث العلمي بجامعة حلب 2003 .
20-العلوم العربية في كتاب المخصص لابن سيده – ضمن وقائع ندوة دور التراث العلمي العربي الاسلامي في المنجزات العلمية الغربية للمؤتمر الرابع للجمعية الاردنية لتاريخ العلوم – عمان 2004 م .
21-احمد بن سهل البلخي ، عالم موسوعي زار بيت الحكمة – ضمن وقائع الاحتفالية المئوية الثانية عشرة على تأسيس بيت الحكمة – بغداد -بيت الحكمة 2001 0
22-العلوم الصرفة في مخطوط مسالك الابصار في ممالك الامصار لابن فضل الله العمري (الحيوان ، النبات ، المعادن) – ضمن وقائع المؤتمر الدولي السادس لتاريخ بلاد الشام جامعة دمشق 2001 م 0
23-قراءة في كتاب مصالح الابدان والانفس لابن زيد احمد بن سهل البلخي ضمن وقائع المؤتمر السنوي العشرين لتاريخ العلوم عند العرب – جامعة حلب ، معهد التراث العلمي العربي 1999 .
24-قراءة في مخطوط ما لايسع الطبيب جهله لابن الكتبي – ضمن وقائع الممؤتمر (22) لتاريخ العلوم عند العرب – جامعة حلب - معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب 2001 م0
25-كتب الطبيخ مصدر لدراسة الصناعات الغذائية – المؤتمر الثالث للجمعية الاردنية لتاريخ العلوم عن اساليب الانتاج الصناعي والزراعي في الحضارة العربية – الاردن - عمان2000 م0
26-ادب الخط والكتابة في التراث العربي – ندوة الخط والكتابة المجمع العلمي العراقي مجلة لغة الضاد الجزء الخامس لسنة2001 0
27-من اعلام القدس في العصر الاموي – موسوعة القدس بغداد ، هيئة كتابة التاريخ العسكري 2002م .
28-دراسة لكتاب ادب الوزراء لاحمد بن جعفر بن شاذان – مجلة بحوث ودراسات في الجامعة الاردنية عدد خاص مهدى الى الدكتور عبدالعزيز الدوري 1995م0
29-قراءة في مخطوط جوامع العلوم – ضمن ندوة المنطلقات الاساسية لدراسة تاريخ العلوم عند العرب– المجمع العلمي العراقي 2000 0
30-الفكر التربوي عند بدر الدين الغزي في كتابه الدر النضيد في ادب المفيد والمستفيد – مجلة كلية المأمون الجامعة العدد (4) 2001م 0
31-مشاكل تحقيق المخطوطات العربية – ضمن وقائع الندوة العلمية الثانية للكتاب والوثيقة – دار الكتب الوطنية 1995 .
32-قراءة في كتاب الاشارة الى محاسن التجارة – ضمن وقائع ندوة التجارة في التراث العربي – مركز احياء التراث بالتعاون مع وزارة التجارة 1998 .
33-ادب السفر في التراث العربي – مجلة كلية المأمون العدد الخامس لسنة 2001 م .
34-المنهج العلمي لابن البيطار في كتابه الجامع لمفردات الادوية والاغذية ، الندوة الدولية الثانية للعالم العربي ابن البيطار – اسبانيا ، ملقا بالتعاون مع معهد التراث في حلب 2006 م .
35-السكن في التراث العربي – مجلة آفاق الثقافة والتراث دبي ، مركز جمعة الماجد العدد 33 لسنة 2001 م .
36-دور علماء الحديث في وضع قواعد لتحقيق النصوص – مجلة مركز احياء التراث بجامعة بغداد العدد (3) 2001م 0
37-تحقيق النسخ الفريدة – مجلة مركز احياء التراث بجامعة بغداد العدد (4) 2002م 0
38-مواصفات السكن الصحي في التراث – مجلة مركز احياء التراث بجامعة بغداد (5) 2006 م 0
39-ابن النجار البغدادي مؤرخ بغداد – ضمن وقائع ندوة بغداد مدينة السلام (بالمشاركة مع د. الاء نافع) مركز التراث بالتعاون مع امانة بغداد 1992م .
40-تصنيف العلوم في جوامع العلوم – ضمن وقائع الندوة العالمية السابعة لتاريخ العلوم عند العرب – معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب بالتعاون مع دولة الامارات العربية – العين 2000 .
41-قراءة في مخطوط كنز التجار في معرفة الجواهر والاحجار – ضمن وقائع الندوة العالمية الثامنة لتاريخ العلوم عند العرب بالتعاون مع مكتبة الاسكندرية – الاسكندرية 2004 .
42-مصادر دراسة النخيل في التراث – ضمن وقائع ندوة النخيل في التراث – معهد التراث العلمي العربي بالتعاون مع اتحاد مجالس البحث العلمي العربية – حلب 2005 م .
43-المرأة البغدادية ودورها في الثقافة والفكر – اصدار اللجنة الثقافية للاحتفال بيوم بغداد 1996م 0
44-ابن النديم البغدادي ودوره في كتابه تاريخ العلوم – ضمن وقائع ندوة ابن النديم البغدادي – مركز احياء التراث 1992بالتعاون مع وزارة الثقافة والاعلام 1992 م0

البحوث المقبوله للنشر والملقاة في ندوات ومؤتمرات داخل وخارج العراق:

45-الازهار والرياحين في التراث العربي – المؤتمر السنوي السادس والعشرين لتاريخ العلوم عند العرب – جامعة حلب ، معهد التراث العلمي العربي 2005م .
46-من علماء حلب في القرنين السادس والسابع الهجريين – الندوة الدولية حول النتاج الفكري لمدينة حلب – معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب – حلب 2006 م .
47-قراءة في مخطوط الرأي والمشورة للحكيم ابي الحسن علي بن احمد المتطبب – المؤتمر الثالث والعشرون لتاريخ العلوم عند العرب ، معهد التراث العلمي العربي ، حمص 2002م .
48-الادريسي عشابا – المؤتمر السنوي (24) لتاريخ العلوم عند العرب – معهد التراث العلمي بجامعة حلب 2003 0
49-مصادر دراسة الفواكه والثمار في التراث العربي – المؤتمر السنوي الثامن والعشرين لتاريخ العلوم عند العرب ، معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب 2007 .
50-قراءة في كتاب الجامع لصفات اشتات النبات للادريسي المؤتمر الرابع للاعشاب والنباتات الطبية – اليمن – جامعة ذمار 1999م 0
51-الكوارث الطبيعية واثرها على المجتمع كما وردت في كتب التراث – الحلقة الدراسية الرابعة عن الزلازل والكوارث الطبيعية ودور البحث العلمي في التقليل من مخاطرها – جامعة ذمار بالتعاون مع اتحاد مجالس البحث العلمي العربية – اليمن 1999م 0
52-التهوية والتبريد والتدفئة والاضاءة في المسكن العربي – ندوة وسائل الراحة في السكن – جامعة البعث – كلية الهندسة الميكانيكية حمص 2002م
53-علم الحيوان في المعاجم اللغوية العربية ، المخصص انموذجا – ندوة اللغة العربية لغة البحث العلمي – السودان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع اتحاد مجالس البحث العلمي العربية– الخرطوم 2004م0
54-المشمومات في التراث العربي – مؤتمر الاعشاب والنباتات الطبية في الوطن العربي – المركز القومي للبحوث – السودان 1997م 0
55-دور التراجم في كتابه التاريخ الاسلامي – مؤتمر كتابه التاريخ الاسلامي ، الاشكالية والمنهج – الجامعة الاسلامية – لبنان 1997م 0
56-المفاهيم العلمية في مخطوط جوامع العلوم – الجمعية اللبنانية لتاريخ العلوم – بيروت 2002م .
57-كتاب الجامع لصفات اشتات النبات للادريسي ودوره في تطور علم الادوية ايطاليا – بالرمو 2002م 0
58-الفلك وعلماء اللغة – المؤتمر العربي الرابع لعلوم الفضاء والفلك جامعة آل البيت بالتعاون مع الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك الاردن 2000م 0
59-فن التراجم في التاريخ العربي الاسلامي – المؤتمر العلمي التاسع لكلية المأمون الجامعة 2003م 0
60-فيضانات الفرات واثرها على بغداد في العصر العباسي –مركز احياء التراث بالتعاون مع اتحاد مجالس البحث العلمي العربية 1994.
61-الحسبة على الصناعة – ندوة الصناعات في التراث العربي – مركز احياء التراث بالتعاون مع اتحاد مجالس البحث العلمي العربية 1997 0
62-التقاليد والانظمة العلمية في المدارس العربية المستنصرية انموذجا – الدورة الربيعية الاولى للجامعة الصيفية العربية الاوربية – جامعة بغداد ، المجمع العلمي ، وزارة الاعلام ، الجامعة المستنصرية 1989 .
63-حماية البيئة في التراث العربي من خلال كتب الحسبة – ندوة البيئة ومياه الشرب في التراث – مركز احياء التراث بالتعاون مع اتحاد مجالس البحث العلمي العربية1996 م 0
64-كتاب مباهج الفكر ومناهج العبر للوطواط– ندوة الزراعة في التراث – مركز احياء التراث بالتعاون مع كلية الزراعة 1994م 0
65-التعريف بمخطوط كنز التجار – ندوة التجارة والحضاة ، مركز احياء التراث بالتعاون مع وزارة التجارة 2001م .
66-السكن الصحي في التراث – ندوة صحة البيئة في التراث – مركز احياء التراث بالتعاون مع اتحاد مجالس البحث العلمي العربية 1998م0
67-مصادر دراسة البيئة في التراث العربي – المؤتمر التكنولوجي العراقي الثالث ، الجامعة التكنولوجية 1997.
68-الكتابة والكاتب في صبح الاعشى – ندوة القلقشندي عالم موسوعي – مركز احياء التراث بالتعاون مع كلية المأمون الجامعة 2000م 0
69-البيئة في التراث العربي من خلال كتب الحسبة – المؤتمر العلمي الثاني لابحاث البيئة – مركز بحوث البيئة – الجامعة المستنصرية 1999 0
70-العلوم العربية في كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه – الندوة القطرية الثانية عشرة لتاريخ العلوم عند مركز احياء التراث 1998م 0
71-علماء واسط في كتاب ذيل تاريخ بغداد لابن النجار – ندوة واسط ودورها في التراث العربي – مركز احياء التراث بالتعاون مع محافظة واسط 1993م 0
72-الحسبة على التجارة – ندوة التجارة في التراث – مركز احياء التراث بالتعاون مع وزارة التجارة 1999م 0
73-من مصادر حفظ الاغذية في التراث – ندوة حفظ الاغذية في التراث – مركز احياء التراث بالتعاون مع اتحاد مجالس البحث العلمي العربية 1998 م 0
74-نص تراثي جديد في الادارة العربية – المؤتمر العلمي الثامن لكلية المأمون الجامعة 2002م 0
75-الكيمياء في التراث العربي – ندوة الكيمياء في التراث مركز احياء التراث بالتعاون مع اتحاد مجالس البحث العلمي العربية 1995 م 0
76-حديث النفس ووساوس الصدر – ندوة الباراسايكولوجي في التراث – مركز البحوث النفسية بجامعة بغداد بالتعاون مع مركز التراث 1999 م0
77-خطة المدينة العربية من خلال كتاب مباهج الفكر ومناهج العبر للوطواط – ندوة خطة المدينة العربية بين الاصالة والتأصيل – معهد التخطيط الحضري ، اتحاد مجالس البحث العلمي العربية ، مركز احياء التراث 1994م 0
78-العلوم الطبيعية عند علماء التصنيف العلوم – ندوة العلوم الطبيعية في التراث – مركز احياء التراث بالتعاون مع كلية التربية للبنات 1995م 0
79-النكت والطرف في التراث – محاضرة القيت في ملتقى الرواد 1996م 0
80-العناية بالكتاب في التراث العربي – ندوة المكتبة في التراث – مركز احياء التراث بالتعاون مع المكتبة المركزية لجامعة بغداد 1994م 0
81-الادريسي ، سيرته ومؤلفاته – المؤتمر السابع للجغرافيين العرب –اتحاد الجغرافيين العرب بالتعاون مع مركز احياء التراث 2001م 0
82-الحسبة على التعليم ، صورة من التراث التربوي – ندوة دور الحسبة في ادارة المدينة العربية ، مركز التراث بالتعاون مع امانة بغداد ضمن الدورة 28 لمنظمة العواصم والمدن العربية بغداد 1989 .
83-صحة النفس في التراث العربي – ندوة الباراسايكولوجي في التراث – مركز البحوث النفسية بالتعاون مع مركز احياء التراث 1996م 0
84-الرقى والتعاويذ في التراث – ندوة الباراسايكولوجي في التراث – مركز البحوث النفسية بالتعاون مع مركز احياء التراث 1997م 0
85-الاحجار والجواهر في مخطوط مباهج الفكر – ندوة تطور علوم الارض عند العرب – مركز احياء التراث مع اتحاد الجيولوجيين العرب 2000م .
86-ادوية العين عند الادريسي ومصادره – ندوة امراض العين في التراث ، بيت الحكمة 2002م .
87-آداب البحث في التراث العربي – ندوة آداب المهنة واخلاقيات العلوم – المجمع العلمي العراقي 2002م 0
88-دور علماء اللغة في نشأة علم الفلك – ندوة العلوم الصرفة في التراث – المجمع العلمي العراقي 2002م 0
89-علم الحيوان في التراث العربي – ندوة العلوم الصرفة بالمشاركة 2002م .
90-بامخرمة ، مؤرخ عدن – ندوة عدن 1995م 0
91-منهج الصفدي في كتابه الوافي (بالمشاركة) مركز احياء التراث 1991 0
92-مؤلفات الصفدي (بالمشاركة ) مركز احياء التراث 1991م 0
93-الجيش –الكتاب المرجع في تاريخ الامة العربية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 0
94-الدواوين –الكتاب المرجع في تاريخ الامة العربية
95-الاطعمة والاشربة –الكتاب المرجع في تاريخ الامة العربية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ستصدر اجزاء هذا الكتاب قريبا .

مجموعة من الاعلام ضمن موسوعة اعلام العرب مقبولة للنشر.

96-احمد بن عبدالله السلمي الاصابي .
97-ابو عبدالله محمد بن شجاع الثلجي .
98-محمد بن احمد المعموري البيهقي .
99-محمد بن محمد بن شهاب البزازي .
100- كمال الدين الاستراباذي .
101- ابو محمد الحسن بن علي البربهاري.
102- القاضي عبدالجبار الهمداني .
103- ابو محمد الحسن النوبختي .
104- عبدالقاهر البغدادي .
105- ابو العباس احمد بن علي النجاشي .
106- سعد الاشعري القمي .
107- ابو بكر احمد بن محمد اليرقاني .
108- ابن الدبيثي.
109- محمد بن شاكر الكتبي .
110- ابو زكريا يحيى بن ابي بكر العامري .
111- ابن الدمياطي .
112- ابو محمد اسماعيل الخطبي .
113- موفق الدين ابو الحسن الخزرجي .
114- البنداري .
115- ابن النجار البغدادي .
116- ابو احمد عبدالعزيز الجلودي .
117- ابو عبدالله احمد بن محمد الجوهري .
118- الحر العاملي .
119- المحقق الحلي .
120- ابو عبدالله البوشنجي .

محاضرات لطلبة الدراسات العليا
المخطوطات العربية ومناهج تحقيقها .
التدوين التاريخي .
دراسة في السير والتراجم .
العلوم عند العرب .

الكتب المنشورة

نشر 13 كتابا في بغداد وبيروت 0
1- نشأة الشيعة الامامية – بغداد ، مطبعة الارشاد 1968 وط بيروت ، دار المؤرخ العربي 1994م 0
2- كتاب العيون والحدائق في اخبار الحقائق ج4 ق1- دراسة وتحقيق – النجف مطبعة النعمان 1972م 0
3- كتاب العيون والحدائق في اخبار الحقائق ج4 ق2 ، دراسة وتحقيق بغداد 1973 م 0
4- فهرست المخطوطات المصورة في مكتبة الدراسات العليا بالمشاركة – مطبعة جامعة بغداد 1977م 0
5- كتاب عيون التواريخ لمحمد بن شاكر الكتبي ج12 – دراسة وتحقيق بالمشاركة – بغداد وزارة الثقافة والاعلام 1977م 0
6- كتاب عيون التواريخ ج20 – دراسة وتحقيق بالمشاركة – بغداد وزارة الثقافة والاعلام 1980م 0
7- كتاب عيون التواريخ ج21- دراسة وتحقيق بالمشاركة – بغداد وزارة الثقافة والاعلام 1984م 0
8- كتاب نكت الوزراء للجاجرمي – دراسة وتحقيق بغداد – مركز التراث 1984م ، طبعة بيروت شركة المطبوعات للنشر والتوزيع 2000م 0
9- كتاب نزهة الظرفاء وتحفة الخلفاء – دراسة وتحقيق – بغداد 1984م 0
10- كتاب نزهة الظرفاء – بيروت – دار الكتاب العربي 1985م 0
11- كتاب عيون التواريخ ج22 دراسة وتحقيق بغداد مطبعة السعد 1991م 0



12- كتاب الزهد لاسد بن موسى الاموي – دراسة وتحقيق بالمشاركة بغداد – بيت الحكمة 2000م 0
13- كتاب منافع الحيوان لعبيد الله بن بختيشوع – دراسة وتحقيق بالمشاركة مركز التراث 2001م 0

كتب تحت الطبع :

1-ادب الوزراء – احمد بن جعفر بن شاذان – دراسة وتحقيق 0
2- غرر السير – الثعالبي – دراسة وتحقيق بالمشاركة 0
3- عيون التواريخ ج13 – دراسة وتحقيق بيت الحكمة 0
4- كتاب جوامع العلوم دراسة وتحقيق 0
5- كتاب سلوك السنن الى وصف السكن دراسة وتحقيق بالمشاركة 0

الاشراف والمناقشات

الاشراف على (30) اطروحة دكتوراه 0
الاشراف على (60) رسالة ماجستير 0
مناقشة (50) رسالة دكتوراه 0
مناقشة (100) رسالة ماجستير 0

عضوية اللجان :

عضو في مجلس ادارة المركز من 1983-1990م0
رئيس مجلس ادارة المركز 1990 ولحد الان 0
استاذة التاريخ الاسلامي كلية التربية (ابن رشد) 0
رئيس تحرير مجلة مركز احياء التراث العلمي العربي 0
عضوة في هيئة موسوعة بغداد التي يعدها المركز 0
خبيرة في المجمع العلمي العراقي 0
عضوة في فرع تاريخ العلوم / المجمع العلمي العراقي 0
امينة سر الجمعية العراقية لتاريخ الطب منذ عام 1989م 0
عضوة في جمعية الاكاديميين العراقية 0
عضوة في الجمعية العراقية للتاريخ والاثار 0
عضوة في اتحاد المؤرخين العرب 0
عضوة في جمعية العراق الفلسفية 0
مقررة لجنة احياء التراث العربي الاسلامي في بيت الحكمة منذ عام 1997م 0
عضو مؤازر في الجمعية الاردنية لتاريخ العلوم عام 2000م 0
نائب الامين العام للاتحاد العربي لتاريخ العلوم عام 2000م 0
عضوة في الهيئة الاستشارية لمجلة معهد التراث العلمي العربي – جامعة حلب0

المشاركة في المؤتمرات والندوات :

1- المشاركة في عدد من المؤتمرات داخل القطر بصفة باحثة ومديرة ومقررة ما يقارب الـ120 ندوة 0
2- المشاركة في مؤتمرات خارج القطر في : الاردن ، اليمن ، سوريا ، لبنان ، السودان ، الامارات العربية ، مصر ، اسبانيا .

معارض المخطوطات :

1- معرض مخطوطات تواريخ بغداد 0
2- معرض مخطوطات الفلك 0
3- معرض مخطوطات الطب 0
4- معرض مخطوطات الكيمياء 0

الشهادات التقديرية

1- وسام جامعة بغداد للاستاذ الاول في الجامعة 1994
2- شهادة الدكتوراه الفخرية من اتحاد المؤرخين العرب 2005 م.
3- وسام المؤرخ العربي – اتحاد المؤرخين العرب 2005م .
4- درع الجامعة اللبنانية الاسلامية 1997 .
5- درع الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك 2000 .
6- درع الجمعية السورية لتاريخ العلوم 2001 .
7- شهادة تقديرية من معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب على مدى 9 سنوات
8- شهادة تقديرية من جامعة ذمار في اليمن لسنة 1999.
9- شهادة نقديرية من مكتبة الاسكندرية لسنة 2004 .
10- شهادة تقديرية من المركز القومي للابحاث في السودان 1997 .
11- شهادة تقديرية من الجمعية الاردنية لتاريخ العلوم للسنوات 2000و2001.
12- شهادة تقديرية من جامعة ملقا في اسبانيا .
13- شهادات تقديرة في يوم العلم لمدة ست سنوات .
14- شهادات تقديرية اخرى من مؤسسات بحثية واتحادات عربية للاعوام من 1995ولحد 2006 .
15- الفوز بالملاكات العلمية لثلاث سنوات 2000 ، 2001 ، 2002 .
16- درع الجامعة العربية الصيفية الاوربية 1989 .



الموضوعات التي درستها :

1- التاريخ العباسي 0
2- منهج البحث التاريخي 0
3- الدويلات الاسلامية 0
4- التاريخ الاندلسي 0
5- تحقيق المخطوطات 0
6- التدوين التاريخي 0
7- الفكر التاريخي 0
8- دراسات في السير والتراجم والطبقات 0
9- تاريخ العلوم عند العرب 0
10-تصنيف العلوم عند العرب 0